نتنياهو يتجنب الاعتقال الدولي

في تطور يعكس مدى العزلة السياسية والقانونية التي بات يعاني منها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كشفت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أن طائرته الحكومية اتخذت مسارًا جوياً غير معتاد خلال رحلتها إلى العاصمة الأميركية واشنطن، لتجنب المرور عبر الأجواء التابعة لدول قد تطبق مذكرة اعتقاله الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.

هذه الخطوة، التي تعد سابقة في تاريخ زعماء الاحتلال الإسرائيلي، تثير تساؤلات حول مستقبل نتنياهو السياسي، وإمكانية تحوله إلى زعيم معزول على المستوى الدولي، لا يستطيع السفر بحرية دون تنسيق مع الدول التي تضمن حمايته من الملاحقة القانونية.

يأتي هذا المسار الاستثنائي للطائرة في أعقاب إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت في 21 نوفمبر 2024، بعد اتهامهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. 

ووفقاً لمصادر إسرائيلية، فإن الرحلة الجوية تجنبت الطيران فوق دول أوروبية أو أي دول قد تنفذ قرار المحكمة الدولية، مما يظهر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بات يتنقل كأي مجرم حرب هارب من العدالة، يخشى أن يتم احتجازه حال مروره عبر المجال الجوي الخاطئ.

 

لقاءات سياسية أم غطاء دبلوماسي للهروب؟

وصل نتنياهو مساء الأحد إلى واشنطن، حيث من المقرر أن يعقد اجتماعين منفصلين، أحدهما مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والآخر مع المبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وسط أجواء مشحونة بالتوتر في إسرائيل على خلفية العدوان المستمر على غزة، وتعثر مفاوضات وقف إطلاق النار. 

هذه اللقاءات تأتي في ظل ترقب واسع حول ما إذا كان نتنياهو يسعى بالفعل لمناقشة قضايا سياسية حاسمة، أم أن زيارته مجرد محاولة للهروب من الواقع القانوني الجديد الذي يهدد مستقبله الشخصي.

قبيل مغادرته تل أبيب، صرّح نتنياهو بأنه سيعقد اجتماعًا “بالغ الأهمية” مع ترامب، مشيرًا إلى أن النقاش سيركز على ما وصفه بـ”النصر على حماس”، بالإضافة إلى جهود إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، والتعامل مع ما سماه “محور الإرهاب الإيراني”.

إلا أن مراقبين يرون أن هذه التصريحات لا تعدو كونها محاولة لصرف الأنظار عن حقيقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أصبح مطاردًا دوليًا، ويعتمد بشكل متزايد على دعم الحلفاء لمنع عزله سياسيًا وقضائيًا.

 

مستقبل غامض لنتنياهو

تأتي زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة في وقت تواجه فيه إسرائيل أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بسبب عملياتها العسكرية في غزة، التي أسفرت عن إبادة جماعية بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، راح ضحيتها أكثر من 159 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود. 

هذا الوضع جعل إسرائيل عرضة لانتقادات واسعة النطاق، بل وفتح الباب أمام إمكانية فرض عقوبات دولية عليها، الأمر الذي يزيد من تعقيد موقف نتنياهو وحكومته.

رحلة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن، رغم أنها بدت وكأنها زيارة دبلوماسية، إلا أنها تضعه فعليًا في موقف مماثل لأي زعيم مطلوب دوليًا، يضطر إلى التحايل على المسارات الجوية حتى لا يقع في قبضة العدالة. وبينما لا تزال الولايات المتحدة توفر له الحماية، فإن الضغوط الدولية المتزايدة قد تجعل حتى أقرب حلفائه يعيدون النظر في دعمهم غير المشروط له.

يبقى السؤال الآن: إلى متى سيستطيع نتنياهو المناورة والهروب؟ وهل سيظل يتمتع بالدعم الأميركي إلى الأبد، أم أن الضغوط القانونية والدبلوماسية ستجبره في النهاية على مواجهة العدالة؟ الأيام القادمة قد تحمل إجابة لهذا السؤال، لكن المؤكد هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يعد ذلك الزعيم الذي يستطيع التنقل بحرية بين العواصم، بل أصبح رجلًا مطاردًا، يبحث عن أي نافذة نجاة في سماء السياسة الدولية.