يبدو أن الأوضاع في ليبيا، وجمع الفرقاء على كلمة سواء، باتت عملية صعبة للغاية، في ظل تمسك كل طرف برأيه حول طبيعة وشكل الخريطة المستقبلية لليبيا.

وتبحث الأطراف الليبية بين معسكري الشرق والغرب في تونس تعديل اتفاق الصخيرات الذي يعتبر أساس العمل في ليبيا منذ توقيعه، إلا أن المؤشرات لا تشي بالتوصل لاتفاق نهائي خلال الفترة المقبلة، إذ يثور خلاف حول المادة الثامنة من الاتفاق.

وتستعد الأطراف في الدخول إلى مرحلة جديدة من المشاورات في تونس الأسبوع المقبل، وتحديدا لجنة صياغة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة.

فهل تهدد المادة الثامنة خارطة الطريق الأممية خاصة مع وجود رغبة من قائد القوات الموالية لمعسكر برلمان طبرق خليفة حفتر في “عسكرة” ليبيا؟.

مشاورات الحل

المبعوث الأممي غسان سلامة أعلن خارطة طريق جديدة لحل الأزمة الليبية خلال جلسة خاصة عن ليبيا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي.

وتتضمن خارطة الطريق الجديدة من أجل وقف أعمال الاقتتال وبدء عملية سياسية تمهد لانتخابات رئاسية وبرلمانية، عبر تعديل اتفاق الصخيرات أولا، ثم عقد مؤتمر وطني عام لكل الأطراف للدعوة للمشاركة في العملية السياسية.

غسان سلامة

غسان سلامة

وبدأت في تونس عملية المفاوضات بين مجلس النواب والأعلى للدولة للتوصل إلى رؤية مشتركة حول تعديل اتفاق الصخيرات، وهي أول خطوة في خارطة الطريق.

وتعتبر هذه الخطوة هى الأهم خاصة في ظل وجود خلافات بين الطرفين خلال الفترة الماضية، وكانت أول نقطة الاتفاق على التشكيل الجديدللمجلس الرئاسي.

المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، قال إن أعضاء المجلس أقروا هيكلة المجلس الرئاسي، والقاضية بأن يتكون من رئيس ونائبين، على أن يكون منصب رئيس الحكومة منفصلا عنه.

وأفاد بليحق بأنمجلس النواب حدد جلسة أخرى لاستكمال النقاش بشأن بقية التعديلات الخاصة باتفاق الصخيرات، وما ورد في تقرير لجنة الحوار.

إذن فهناك تجاوب من مختلف الأطراف الليبية لتعديل اتفاق الصخيرات والمضي قدما في تنفيذ خارطة الطريق الأممية، خاصة في ظل ضغوط دولية كبيرة لحلحلة الموقف والضغط على حفتر لقبول الأمر الواقع وعدم اللجوء إلى الحل العسكري.

حفتر عقبة

خلال الأشهر القليلة الماضية، تبينت الدول الكبرى أن حفتر يمثل عقبة كبيرة أمام وضع أي حلول للأزمة الليبية خلال الفترة المقبلة.

حفتر يصر على الحسم العسكري في ليبيا، ولكن تدخلت أمريكا لإجهاض أي تحرك في هذا الصدد، من خلال زيارة السفير الأمريكي لدى ليبيا بيتر بودي، وقائد القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال توماس والدهاوزر، لحفتر في قاعدته بمدينة المرج شرق بنغازي.

الجنرال والدهاوزر

الجنرال والدهاوزر

ومنذ ذلك الحين بدأت ليبيا تدخل على أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، بما دفع إلى تراجع دوره والحديث عن مسألة الحسم العسكري.

كما أنها وجهت صفعة لحفتر، إذ قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن القوات التابعة لقائد عملية الكرامة خليفة حفتر فشلت في التصدي للإرهاب والتفجيرات والاغتيالات والخطف في المنطقة الشرقية.

فايز-السراج

فايز السراج

ويدفع حفتر إلى الترشح لرئاسة ليبيا خلال الفترة المقبلة، ولذلك يرفض أن يكون وزيرا للدفاع تحت قيادة حكومة مدنية برئاسة فايز السراح رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.

ولذلك دفع حفتر إلى ضرورة إلغاء المادة الثامنة، والتي تنص على “نقل كافة صلاحيات المناصب العسكرية والأمنية العليا، إلى مجلس رئاسة الوزراء في حكومة الوفاق فور توقيع الاتفاق، كما يتعين قيام المجلس باتخاذ قرار بشأن شاغلي هذه المناصب خلال 20 يومًا، وفي حال عدم اتخاذ قرار خلال هذه المدة، يتخذ المجلس قرارات بتعيينات جديدة خلال 30 يومًا”.

“عسكرة الدولة” هو الشعار الذي يرفعه حفتر إقليميا ودوليا، فهو يرغب في تكرار تجربة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حينما خلع البدلة العسكرية وترشح لرئاسة مصر عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي.

أساس الخلاف حول المادة الثامنة، وهو عدم الرغبة في تحكم السلطة المدنية في المؤسسة العسكرية.

وكان هذا سببا مباشرا في محاولة حفتر إفشال اتفاق باريس، إذ أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على سيطرة السلطة المدنية على المؤسسة العسكرية.

السيسي و بن زايد و حفتر

السيسي و بن زايد و حفتر

صراع الوكلاء

ويدعم حفتر في تحركاته التي ربما تنسف جهود المبعوث الأممي خلال الفترة المقبلة، مصر والإمارات على حد سواء.

ويعتبر حفتر حليف القاهرة وأبو ظبي، ويسعيان إلى تصدره المشهد والسيطرة على المؤسسة العسكرية ومن ثم الوصول إلى رئاسة الجمهورية.

ولكن يبدو أنهما غير قادرين على تقديم نفس حجم الدعم لحفتر خلال الفترة الحالية، مع وجود رغبة دولية في إنهاء الأزمة الليبية، ولكن يحاولان الحفاظ على وضع خاص لحفتر يضمن لهما وجود نفوذ داخل ليبيا.

الإمارات باتت في موقف محرج للغاية بعد صدور تقارير أممية تتحدث عن اختراقها لقرارات لجنة العقوبات حول ليبيا وحظر تصدير الأسلحة.

فهل تستمر مصر والإمارات في دعم موقف حفتر بالرغبة في “عسكرة ليبيا” وإفشال جهود البعوث الأممي، أم تنجح أمريكا والدول الكبرى في إيقاف تحركات الدولتين؟.