في تطور خطير يعكس تصعيداً دامياً في العدوان الأمريكي على اليمن، استشهد عشرات المدنيين، الإثنين، بينهم مهاجرون أفارقة، جراء غارات جوية استهدفت مركزاً لإيواء المهاجرين في محافظة صعدة، فضلاً عن منازل مدنية في العاصمة صنعاء، ما يؤكد أن الولايات المتحدة باتت تكرر على الأرض اليمنية السيناريو الإسرائيلي ذاته في قصف المدنيين بلا تمييز ولا رحمة.

مأساة جديدة.. 35 شهيداً في مأوى للمهاجرين

بحسب ما أوردته قناة “المسيرة” التابعة لجماعة الحوثي، فقد أسفرت سلسلة الغارات الأمريكية على مركز لإيواء المهاجرين في صعدة عن استشهاد 35 شخصاً حتى الآن، مع استمرار جهود انتشال الضحايا وسط أنقاض المبنى المدمر، حيث لا يزال نحو 30 شخصاً في عداد المفقودين. 

كما تم نقل أكثر من 50 جريحاً إلى المستشفى الجمهوري، معظمهم في حالة حرجة، ما يرجّح ارتفاع عدد الشهداء خلال الساعات القادمة.

صور ومقاطع مصورة بثتها “المسيرة” أظهرت فداحة الدمار، وجثثاً متفحمة ومتناثرة في باحة المبنى، وسط جهود مستمرة لانتشال الأحياء والمفقودين. 

كما أفادت القناة بأن أحد الصواريخ المستخدمة لم ينفجر، مما دفع الجهات المختصة للتعامل معه بحذر شديد، خوفاً من وقوع كارثة إضافية.

المأساة لم تتوقف عند حدود صعدة، إذ شهدت العاصمة صنعاء عدواناً دموياً آخر، حيث استهدفت الغارات الأمريكية منطقة ثقبان في مديرية بني الحارث، مما أسفر عن استشهاد 8 مدنيين، بينهم نساء وأطفال، وإصابة آخرين بجروح متفاوتة، بعد قصف ثلاثة منازل بشكل مباشر.

عدوان متواصل.. واستهداف للمدنيين بلا تمييز

هذه المجزرة تأتي ضمن سياق حملة عسكرية أمريكية مكثفة مستمرة منذ 15 مارس الماضي، بعد أوامر أصدرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن هجوم واسع النطاق على جماعة الحوثي، في محاولة لردع عملياتها البحرية الداعمة لغزة.

إلا أن الحملة تحولت تدريجياً إلى عدوان مفتوح على المدنيين، مع استهداف أحياء سكنية، موانئ مدنية، منشآت طبية، خزانات مياه، ومواقع أثرية، بحسب ما أكدت وزارة الخارجية في حكومة الحوثي. 

الوزارة أوضحت في بيان لها أن الولايات المتحدة نفذت أكثر من 1200 غارة وقصف بحري خلال أقل من شهرين، تسببت في سقوط مئات الشهداء والجرحى وتدمير البنية التحتية المدنية، واعتبرت أن ما يحدث هو “عدوان مكتمل الأركان، وانتهاك صارخ لكافة المواثيق الدولية”.

وبينما تزعم الإدارة الأمريكية أن عملياتها تستهدف مواقع عسكرية مرتبطة بالحوثيين، تؤكد الوقائع أن الغالبية الساحقة من الضحايا هم من المدنيين الأبرياء، في استنساخ فاضح للنهج الذي يتبعه الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث يتم قصف المباني السكنية ومخيمات النازحين والمرافق الحيوية بلا اكتراث بالقانون الدولي أو بسلامة المدنيين.

انتقام جماعي وإعادة إنتاج لجرائم الاحتلال الإسرائيلي

لا يمكن قراءة العدوان الأمريكي على اليمن بمعزل عن الرغبة الأمريكية في الانتقام من الشعب اليمني بسبب دعمه المتواصل لفلسطين. فحركة الحوثيين واصلت تحديها للضغوط الأمريكية والإسرائيلية عبر استهداف السفن المرتبطة بالاحتلال في البحر الأحمر، رغم تهديدات واشنطن بـ”القضاء الكامل” عليها.

بدلاً من السعي لحل سياسي أو ممارسة الضغط الدبلوماسي، لجأت الولايات المتحدة إلى الخيار العسكري الأحمق، متبنيةً منطق “العقاب الجماعي” الذي لطالما مارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان غزة، ما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا من الأطفال والنساء.

ويكشف هذا السلوك عن تشابه عميق في العقيدة العسكرية والسياسية بين واشنطن وتل أبيب: استهداف المدنيين كوسيلة للضغط السياسي والعسكري. ففي حين تبرر إسرائيل عدوانها تحت شعار “حق الدفاع عن النفس”، تتذرع واشنطن بملاحقة من تصفهم بـ”الإرهابيين”، لكنها في النهاية تقتل المدنيين وتهدم مساكنهم فوق رؤوسهم.

عار أممي وصمت دولي مشين

رغم فداحة المجازر المتكررة، يلتزم المجتمع الدولي صمتاً مريباً، لا يختلف عن موقفه من مجازر الاحتلال الإسرائيلي في غزة.

فلا بيانات إدانة صريحة، ولا تحركات جادة لوقف العدوان الأمريكي على اليمن، في وقت تستمر فيه الولايات المتحدة بتصدير خطاب مزدوج يدعي حماية حقوق الإنسان بينما تمارس جرائم حرب مكشوفة.

إن استهداف مراكز إيواء المهاجرين — وهم من أكثر الفئات ضعفاً وهشاشة — يكشف الانحدار الأخلاقي العميق الذي بلغته الإدارة الأمريكية، ويفضح الزيف الذي تتغطى به شعارات “حماية المدنيين” و”النظام الدولي القائم على القواعد”.

خاتمة: دماء اليمنيين تصرخ.. والعالم يتجاهل

تثبت المجازر التي ارتكبتها الولايات المتحدة في صنعاء وصعدة أن واشنطن لا تختلف عن الاحتلال الإسرائيلي في شيء: كلاهما يعتدي بلا رحمة، يستهدف المدنيين بلا حساب، ويتعامل مع الشعوب المقهورة كأدوات لتصفية حساباته السياسية والعسكرية.

لكن مهما بلغت بشاعة العدوان، ومهما طال صمت العالم، فإن دماء الضحايا لن تذهب سدى. فالشعوب الحية لا تنكسر أمام الطغيان، واليمن، كفلسطين، سيظل يذكر العالم أن الظلم لا يدوم، وأن الجرائم لا تسقط بالتقادم.

اقرأ أيضًا : صفارات الإنذار تدوي.. صاروخ يمني يرعب الاحتلال ويكشف هشاشته