في الوقت الذي تواصل فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي الحديث عن عملية “عربات جدعون”، تبرز مخاوف حقيقية من أن تكون هذه العملية مقدمة لتهجير جماعي للفلسطينيين من قطاع غزة نحو مصر، وإقامة غيتوهات عنصرية مغلقة على من يبقى منهم.
هذه العملية ليست مجرد حملة عسكرية تقليدية، بل تمثل خطة متكاملة لتحقيق هدف استراتيجي بعيد المدى، يتجاوز مجرد السيطرة العسكرية إلى إحداث تغيير ديمغرافي قسري في المنطقة.
منذ الإعلان عن العملية، تزايدت المؤشرات على أنها تستهدف فرض واقع جديد على قطاع غزة، يقوم على طرد السكان الأصليين وتحويلهم إلى لاجئين، بينما يتم إحكام السيطرة الإسرائيلية على الأراضي والمقدرات.
تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، التي تكشف عن نواياهم الحقيقية، تعزز هذا التوجه، حيث يتحدثون بشكل واضح عن ضرورة طرد الفلسطينيين من القطاع وتحويلهم إلى مناطق معزولة أو دفعهم إلى النزوح خارج الحدود.
التهجير والاحتلال: أهداف استراتيجية مكشوفة
تستند عملية “عربات جدعون” إلى رؤية إسرائيلية قديمة تهدف إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، أبرزها طرد السكان الفلسطينيين من غزة ودفعهم نحو الحدود المصرية.
هذه الرؤية ليست جديدة، بل تمتد جذورها إلى خطة قديمة تبناها اليمين الإسرائيلي، تقوم على فكرة “الحسم النهائي” أو “الحل الكامل”، حيث يتم فرض السيطرة الكاملة على غزة دون وجود سكان فلسطينيين غير خاضعين للسيطرة الإسرائيلية المطلقة.
تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بيتسلئيل سموتريتش، الذي أكد أن “الهدف الأساسي للحرب هو احتلال غزة للبقاء فيها”، تكشف بوضوح عن الرؤية الإسرائيلية لهذه العملية.
فإسرائيل لا تهدف فقط إلى ضرب الفصائل المسلحة أو استعادة المختطفين، بل تسعى لإقامة نظام جديد في القطاع يقوم على تطهير السكان وإعادة تشكيل الخارطة الديمغرافية بما يخدم مصالحها.
وفي هذا السياق، تحدث “مصدر أمني إسرائيلي” عن أن الجيش سيتعامل مع المناطق التي يتم “تطهيرها” وفق نموذج رفح، حيث يتم تدمير كل شيء وتحويل المنطقة إلى “منطقة أمنية معزولة”.
وقد أُشير إلى أن الجيش يخطط لنقل معظم سكان غزة إلى مناطق محددة، وفصلهم عن مناطق سيطرة حماس، مما يعني تحويلهم إلى مخيمات احتجاز جماعي أو غيتوهات مغلقة، يتم التحكم في كل جوانب حياتهم.
غيتوهات عنصرية وخيار التهجير إلى مصر
تتجلى خطورة عملية “عربات جدعون” في أن هدفها النهائي لا يقتصر على السيطرة العسكرية، بل يمتد إلى فرض سياسة التهجير القسري.
فوفقًا للتقارير، يسعى الاحتلال إلى إقامة “غيتوهات” مغلقة للفلسطينيين الذين يبقون في القطاع، حيث يعيشون في ظروف قاسية دون فرص عمل أو تعليم أو خدمات صحية، في محاولة لإجبارهم على النزوح بشكل تدريجي.
المخطط الإسرائيلي يشمل نقل السكان الفلسطينيين إلى مناطق قريبة من الحدود المصرية، أو إلى منطقة معزولة عن قطاع غزة، بحيث تصبح حياتهم غير محتملة، مما يدفعهم إلى الهجرة الطوعية.
وقد أشارت بعض المصادر إلى أن هذه الخطة تتماشى مع رؤية سابقة للإدارة الأمريكية خلال عهد ترامب، التي تضمنت مقترحات لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء.
إن ما يحدث في غزة تحت عنوان “عربات جدعون” ليس مجرد عملية عسكرية، بل هو مشروع سياسي-ديمغرافي خطير يهدف إلى تغيير هوية القطاع وتفريغه من سكانه الأصليين، وتحويله إلى منطقة مغلقة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.
ومع استمرار العمليات العسكرية والتدمير واسع النطاق، تتزايد المخاوف من أن يتحول هذا المخطط إلى واقع مأساوي، يدفع ثمنه ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في القطاع المحاصر.
اقرأ أيضًا : صدمة في الصحافة العبرية.. كيف ترمم المقاومة شبكة الأنفاق أثناء الحرب؟
اضف تعليقا