أعاد استخدام الطائرات المسيّرة من قبل كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، القلق إلى صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد فترة من التراجع الظاهري لهذا التكتيك القتالي. 

فبحسب ما كشفه موقع “والا” الإسرائيلي، فإن إحدى هذه الطائرات ألقت قنبلة يدوية على وحدة إسرائيلية شمال قطاع غزة، ما أدى إلى إصابة جنديين بجروح متوسطة وخفيفة. 

وقد وصف ضباط إسرائيليون هذا الهجوم بأنه “عودة لتكتيك قديم” كانت حماس قد استخدمته في بداية الحرب ثم اختفى لفترة، ليعود الآن بقوة، في مؤشر اعتبروه دليلاً على “راحة ميدانية” متزايدة لدى المقاومة.

الاحتلال في مرمى المراقبة: طائرات، مناظير، واستخبارات ميدانية

التقرير الصادر عن “والا” نقلاً عن ضباط احتياط في جيش الاحتلال لا يتوقف عند الحادثة الأخيرة، بل يشير إلى تصاعد مقلق في استخدام حركة حماس للطائرات المسيّرة، إلى جانب تقنيات مراقبة متقدمة كالكاميرات والمناظير.

الهدف من ذلك، وفق ذات المصادر، هو رصد تحركات الجيش الإسرائيلي وجمع معلومات استخباراتية بشكل مستمر، بل وعلى مدار الساعة. 

هذا التطور، حسب تقييم الاحتلال، يعكس قدرة متنامية لحماس على إدارة معركتها الميدانية بكفاءة استخباراتية لم تكن مألوفة بهذا النطاق سابقًا.

ويثير هذا الاستخدام المكثف للطائرات دون طيار، ليس فقط قلقًا تكتيكيًا من خطر الهجمات الدقيقة، بل أيضًا قلقًا استراتيجيًا من امتلاك حماس لنظم جمع معلومات وتحليل بيانات تعطيها أفضلية في التقدير الميداني وتحديد نقاط ضعف جيش الاحتلال.

التهريب من رحم “المساعدات”: فشل الحصار وضعف الردع

أكثر ما أقلق الضباط الإسرائيليين الذين تحدثوا للموقع، هو أن الطائرات المسيّرة الجديدة التي استخدمتها حماس قد تكون دخلت إلى قطاع غزة خلال فترات وقف إطلاق النار، مستغلة إدخال مئات الشاحنات اليومية المحملة بالمساعدات الإنسانية. 

وهو ما يشير إلى فشل استخباراتي مزدوج: أولًا في منع تهريب هذه المسيّرات، وثانيًا في رصد تجهيزاتها وانتشارها ميدانيًا قبل استخدامها في العمليات.

اللافت أن أحد الضباط لم يستبعد حتى احتمال تهريب هذه الطائرات جوا، وهو أمر إن صحّ، فإنه يكشف عن اختراق أمني خطير لطوق الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات، ويقوّض رواية الاحتلال عن نجاحه في تقويض قدرات المقاومة بعد شهور طويلة من الحرب.

تحليل أعمق: ماذا يعني أن “حماس باتت تشعر براحة ميدانية”؟

تعبير “الراحة الميدانية” الذي استخدمه أحد الضباط الإسرائيليين في وصف عودة حماس لتكتيك المسيّرات لا يقل أهمية عن الحدث نفسه. 

فمعناه ببساطة أن الاحتلال، رغم كثافة عملياته العسكرية وضرباته الجوية المستمرة، لم يعد قادرًا على فرض ضغط مستمر يمنع المقاومة من استعادة زمام المبادرة. وهذا ما يشكّل تحولًا كبيرًا في توازن الصراع.

فبعد أكثر من 600 يوم من المعركة المستمرة، تثبت حماس أنها ما زالت قادرة على استخدام الطائرات، وجمع المعلومات، وتنفيذ هجمات نوعية، وهو أمر لا يمكن تفسيره إلا بإخفاقات متكررة في خطط إسرائيل لإنهاء وجود المقاومة أو تقويض بنيتها التحتية.

بل إن ما يحصل، بحسب تحليل مراقبين، هو عكس ذلك تمامًا: تطور تكتيكي لحماس، يعكس قدرة على المناورة وتخزين الوسائل القتالية، وتنفيذ العمليات النوعية، وخلق حالة من الإرهاق والتشتت في صفوف الجيش الإسرائيلي، الذي يجد نفسه مضطرًا للتعامل مع حرب عصابات ذكية أكثر من مجرد حملة تطهير ميداني.

خاتمة: بين الطائرات والصمود.. رسالة لا يفهمها الاحتلال

تأتي عودة المسيّرات لتُذكّر الاحتلال الإسرائيلي بأن معركة غزة لم تعد تُقاس فقط بعدد الصواريخ أو بمواقع الاشتباك، بل بقدرة المقاومة على استيعاب الصدمة، وإعادة التموقع، ثم الهجوم من جديد بأساليب جديدة. 

فأن تتمكن حماس من تنفيذ هجوم بمسيّرة بعد شهور من الحصار، والهجمات الجوية والبرية، يعني أن فشل الردع الإسرائيلي بات حقيقة ميدانية، وأن المقاومة الفلسطينية تخوض حرب استنزاف طويلة الأمد بثبات وإصرار.

الطائرات المسيّرة ليست فقط سلاحًا هجوميًا، بل هي رسالة سياسية وعسكرية بأن غزة ما زالت تقاتل، وأن المعركة لم تنتهِ كما توهّم قادة الاحتلال. 

وفي كل مرة تعود فيها المسيّرات، تتجدد مخاوف تل أبيب من حقيقة لطالما تجاهلتها: أن شعبًا مستعدًا للصمود أكثر من 600 يوم، لا يمكن أن يُهزم بسهولة، ولا أن يُركّع بآلة حرب مهما عظمت.

اقرأ أيضًا : مقترح أمريكي بلغة الاحتلال وردّ فلسطيني بلغة الكرامة