عاد اسم الأمير السعودي المحتجز سلمان بن عبد العزيز بن سلمان، الشهير بـ”غزالان” أو الأمير الوسيم، إلى الواجهة مجددا، بعد رسالة للبرلماني الأوروبي “مارك تاربيلا” كشف فيها أن الأمير نُقل من فيلا تخضع لحراسة في العاصمة الرياض إلى “موقع لم يكشف عنه”.
الرسالة بعث بها “تاربيلا” إلى السفير السعودي لدى الاتحاد الأوروبي، بحسب وكالة “فرانس برس” التي أكدت أنها اطلعت على فحواها. وأشارت إلى أن الرسالة المؤرخة يوم الثلاثاء الماضي، جاء فيها: “من الواضح أن حرمان الأمير سلمان ووالده من الحرية تعسفي ويصل إلى حد انتهاك الالتزامات المحلية والدولية للسعودية”.
وأضافت الرسالة: “أحثكم على مطالبة الحكومة السعودية بالكشف الفوري عن مكان الأمير سلمان ووالده عبد العزيز بن سلمان”.
ولفتت الوكالة الفرنسية إلى أن هذه الخطوة تأتي “بعد نحو ثلاث سنوات على احتجاز الأمير سلمان بن عبد العزيز، وتعكس تحدي المملكة للضغوط الدولية لإطلاق سراحه، وإمكان إعادة التدقيق في سجل حقوق الإنسان الخاص بها مع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن”.
ولفتت ”فرانس برس” أنه كان مسموحا للرجلين في السابق بإجراء مكالمات هاتفية منتظمة مع عائلتهما، ولكن منذ السبت الماضي 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لم يحدث أي اتصال.
وفي شهر أغسطس/آب الماضي، قامت منظمتان حقوقيتان هما منظمة “منا” لحقوق الإنسان ومقرها جنيف، ومنظمة “القسط” ومقرها لندن، بتقديم شكوى لدى الأمم المتحدة ضد احتجازهما. وأكدت المنظمتان ومقربون من الأمير أن الأخير ووالده لم يخضعا لأي استجواب منذ اعتقالهما، ما يعني أن اعتقالهما “ليس له أي أساس قانوني”.
فمن هو الأمير سلمان بن عبدالعزيز “غزالان”؟ وما طبيعة العلاقات التي تربطها بالطبقة السياسية والثقافية في أوروبا؟ وكيف قادته غيرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى السجن؟
دافع الغيرة
قصة الأمير الشاب تختلف جذريا عن باقي الأمراء الذين جرى اعتقالهم والتنكيل بهم، فالأمير “غزالان” لم تكن لديه أية طموحات سياسية، وعرف عنه أنه شغوف بالثقافة والفنون، وبتمويله لمشاريع التنمية في الدول الفقيرة.
وتؤكد وسائل إعلام أن “الغيرة الشديدة” التي سيطرت على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دفعته لسجنه، لاسيما وأن الأمير المعتقل شخصية مشهورة على المستوى الدولي، وأكثر حضورا وثقافة منه.
وقال صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن الأمير الشاب سلمان “يعد وجها عالميا، وهو أكثر حداثة من محمد بن سلمان، إضافة إلى كونه شخصية مثقفة، قدمت صورة محسنة للثقافة السعودية في جميع أنحاء أوروبا، وكان على اتصال مع أهم النخب السياسية والقادة الغربيين، خاصة في فرنسا حيث يتمتع بتقدير كبير”.
من جانبها، ذكرت صحيفة “لوبوان” الفرنسية، في مارس/آذار 2020، عن لوم الملك الحالي وأمير منطقة الرياض السابق، سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، لنجله “محمد” قبل نحو 17 عاما، أثناء إجازة لهما في جنوب فرنسا، بسبب ولع الأخير بألعاب الفيديو.
وبحسب الصحيفة الفرنسية، فإن سلمان نجله محمد على عدم اهتمامه بالدراسة، وقارنه بالأمير المعتقل حاليا “سلمان”، قائلا: “انظر إلى ابن عمك. إنه مجتهد ويتعلم اللغات الأجنبية بدلا من قضاء وقته في الألعاب وتناول البيتزا”.
وأشارت “لوبوان” إلى أن ولي العهد الحالي كان مراهقا منعزلا، ولم يكن على دراية بما يدور خارج المملكة، ويعيش باستمرار في كنف والده، على العكس من الأمير سلمان الذي يكبر ابن سلمان بأربع سنوات، حيث كان متميزا جدا في دراسته.
والأمير “غزالان”، من مواليد مدينة الرياض في عام 1982، وهو متزوج من الأميرة “عريب” بنت الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز آل سعود. كما يعد رجل أعمال ثري، فهو يمتلك فنادق وممتلكات واستثمارات عديدة في السعودية وبلدان أوروبية.
إلى جانب اللغة العربية، يتحدث الأمير سلمان، الإنجليزية والفرنسية بطلاقة، فهو تخرج من جامعة الملك سعود بعد أن درس القانون، ثم أتم الدراسات العليا في جامعة أكسفورد، ونال شهادة الماجستير في القانون الدولي من جامعة سانت كليمنتس، والدكتوراة من جامعة السوربون الفرنسية.
واختارته العديد من المدن الفرنسية “مواطنا فخريا”، ونال وساما من غرفة التجارة والصناعة في باريس، وذلك لإعجابه بالثقافة الفرنسية، ومشاركته في العديد من الفعاليات ودعم نشاط متحف الفن الحديث بمدينة باريس.
اعتقال تعسفي
جرى اعتقال الأمير “غزالان”، في يناير/كانون الثاني 2018، إلى جانب 11 أميرا داخل القصر الملكي. وأكدت النيابة العامة السعودية في بيان لها نبأ الاعتقالات. وزعمت: “تجمهر 11 أميرا في قصر الحكم، مطالبين بإلغاء الأمر الملكي الذي نص على إيقاف سداد الكهرباء والمياه عن الأمراء، كما طالبوا بالتعويض المادي المجزي عن حكم القصاص الذي صدر بحق أحد أبناء عمومتهم”.
وأضاف البيان: “تم إبلاغهم بخطأ تصرفهم هذا، لكنهم رفضوا مغادرة قصر الحكم، فصدر أمر بالقبض عليهم عقب رفضهم مغادرة القصر، وتم إيداعهم سجن الحائر تمهيدا لمحاكمتهم”.
لكن هذه الرواية، فندتها صحف غربية ومقربون من الأمير الشاب. ونسبت صحيفة «إلدياريو» الإسبانية إلى أحد أصدقاء الأمير “غزالان” أن مسؤولا في القصر الملكي اتصل في الساعة الثالثة صباحا يوم الاعتقال، وطلب مقابلة نحو 15 أميرا، والذين استجابوا جميعهم للدعوة، لكنهم ما أن وصلوا إلى القصر حتى تعرضوا لسوء المعاملة، واحتجز 11 منهم.
بدوره، قال المحامي الفرنسي “إيلي حاتم” الذي كلف بالدفاع عن الأمير سلمان في نوفمبر/تشرين الثاني 2018: إن الأمير استُدعي إلى قصر الحكم، وسرعان ما دخل في خلاف مع محمد بن سلمان، فتدخل الحرس وضربوا الأمير حتى أغمي عليه، ونقل إلى السجن.
وفي رواية أخرى، قالت شبكة CNN الأمريكية إن الأمير سلمان دخل في نقاش مع المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، قبل أن يتطور الأمر إلى مشاجرة.
ولم يمض أكثر من يومين، حتى جرى اعتقال والده، الذي عمل مستشارا للملك الراحل فهد بن عبد العزيز، بسبب اتصاله بعدد من أصدقائه ومعارفه في بلدان غربية، وطلبه منهم المساعدة في إطلاق سراح ابنه.
ورغم المطالبات الدولية والحقوقية بضرورة الإفراج عن الأمير “غزالان”، إلا أن السلطات السعودية لم تتجاوب معها، وبقي الأمير سلمان ووالده قيد الاحتجاز التعسفي، حتى اليوم.
اضف تعليقا