بينما لا تزال دماء الشهداء الفلسطينيين، من بينهم المسعفون الذين استُهدفوا في مجزرة بشعة في رفح، تجف على أيدي جنود الاحتلال، خرجت صورة تذكارية لجنود من لواء “غولاني” الإسرائيلي المشاركين في مناورات “الأسد الإفريقي” فوق الأراضي المغربية، لترفع منسوب الغضب الشعبي في العالم العربي، خاصة في المغرب، حيث يقف الشارع المغربي بجميع أطيافه ضد التطبيع مع الاحتلال.
هذه المشاركة ليست مجرد تمرين عسكري روتيني، بل صفعة جديدة توجهها الأنظمة المطبعة إلى شعوبها، ورسالة دعم واضحة من النظام المغربي إلى جيش الاحتلال، في الوقت الذي يتهم فيه بارتكاب جرائم إبادة وتطهير عرقي بحق الفلسطينيين في غزة.
لواء غولاني.. سجل أسود من المجازر والقتل
لواء “غولاني” هو أحد أبرز ألوية النخبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو معروف بضلوعه في أبشع الجرائم خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، لا سيما مجزرة رفح التي أودت بحياة عشرات المدنيين، من بينهم طواقم طبية ومسعفون كانوا يحاولون إنقاذ الجرحى.
تداول نشطاء على مواقع التواصل صورة تُظهر جنودا من “غولاني” خلال مشاركتهم في مناورات “الأسد الإفريقي” التي تُجرى سنوياً بالتعاون بين الجيش المغربي والجيش الأمريكي، وهم يرفعون علم الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب راية اللواء.
الصورة فجّرت عاصفة من الغضب، خصوصاً أنها تأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث يواصل الاحتلال ارتكاب المجازر اليومية في غزة.
جنود غولاني، الذين لم تجف أيديهم من دماء الأطفال والمسعفين في رفح، باتوا ضيوف شرف على أرض المغرب، يشاركون في مناورات عسكرية تستهدف تعزيز “القدرات الدفاعية” المفترضة.
لكن الحقيقة التي لا تغيب عن وعي الشعوب أن هذه التدريبات ليست سوى واجهة جديدة لتطبيع أمني وعسكري مع الكيان الذي يحتل فلسطين ويمارس سياسة الفصل العنصري.
المغرب الرسمي يعانق الاحتلال.. والشعب يرفع راية العار
لم تكن هذه المشاركة الإسرائيلية في مناورات “الأسد الإفريقي” الأولى، فقد سبقتها مشاركات مراقبة في نسخ سابقة، إلا أن الجديد هذه المرة هو حضور جنود وضباط من وحدة الاستطلاع في لواء “غولاني”، الذين خاضوا تدريبات مباشرة مع جنود مغاربة وأمريكيين على الأراضي المغربية.
الشارع المغربي لم يتأخر في الرد، فقد تصدّرت مواقع التواصل حملة إلكترونية غاضبة تحت وسم #التطبيع_خيانة، عبّر خلالها المغاربة عن غضبهم من مشاركة الاحتلال، مستنكرين أن تُفتح أرضهم لتدريب القتلة بدل أن تُحتضن رموز المقاومة والدفاع عن المظلومين.
ورأى الكثير من النشطاء أن نظام الملك محمد السادس مستمر في دعم الاحتلال ليس فقط عبر العلاقات الدبلوماسية، بل بالانتقال إلى مرحلة أخطر، وهي “التطبيع العسكري”، وهو ما وصفه البعض بـ”الخيانة الصريحة لفلسطين ولدماء الشهداء”.
حركة “المجاهدين” الفلسطينية علّقت على المشاركة ببيان شديد اللهجة، واصفة لواء غولاني بـ”النازي”، ومعتبرة استضافتهم في مناورات الأسد الإفريقي “امتدادا للانحدار الأخلاقي والإنساني في مسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني”. وأضاف البيان أن هذه المشاركة تشكّل تشجيعًا مباشرًا لحرب الإبادة في غزة، وتُظهر ازدواجية المواقف لدى بعض الأنظمة العربية التي تتاجر بقضية فلسطين في الخطابات، بينما تدعم الاحتلال في الخفاء.
جرائم الاحتلال مستمرة.. والمغرب يكافئ القتلة
في الوقت الذي تحتضن فيه الرباط جنود الاحتلال للمشاركة في تدريبات عسكرية، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب المجازر اليومية في قطاع غزة، مستخدمًا سياسة الأرض المحروقة ضد الأحياء السكنية، ومراكز الإيواء، وحتى سيارات الإسعاف.
وقد وثقت عدة منظمات حقوقية، أبرزها “هيومن رايتس ووتش” و”أطباء بلا حدود”، الهجوم المتعمد من قبل قوات الاحتلال على طواقم طبية، بينها الهجوم الشهير الذي أدى إلى استشهاد عدد من المسعفين في رفح. وهذه الجريمة، بحسب مختصين في القانون الدولي، تُصنّف ضمن جرائم الحرب، لأنها استهدفت خدمات إنسانية محمية بموجب اتفاقيات جنيف.
فهل يعقل بعد كل ذلك أن يُكافأ هذا الجيش بفتح الأبواب له للمشاركة في تدريبات عسكرية على الأراضي المغربية؟ هل أصبحت دماء الأطفال في غزة ثمنًا لمكاسب سياسية واقتصادية تسعى لها الحكومة المغربية من خلال تطبيعها مع الاحتلال؟
ما يزيد الطين بلة، هو أن هذه التدريبات لا تقتصر على جنود الاحتلال، بل تضم أكثر من 20 دولة بينها دول عربية أخرى، ما يسلط الضوء على تسارع خطوات التطبيع الأمني في المنطقة، تحت غطاء “التعاون الدفاعي”، دون أي اعتبار للشعوب الرافضة لهذه السياسات.
الشعوب لا تطبع.. والعار يلاحق الأنظمة
صورة جنود “غولاني” في المغرب هي أكثر من مجرد توثيق لمناورة عسكرية، إنها مرآة لواقع عربي مأزوم، تُحتضن فيه الجيوش المعتدية وتُشيطن فيه حركات المقاومة، وتُجرّم فيه الأصوات الحرة التي ترفض التطبيع.
لكن ما يجب ألا يُنسى هو أن الشعوب لا تطبّع، ولن تطبّع. الشعب المغربي، الذي خرج بمئات الآلاف في مظاهرات سابقة دعما لفلسطين، لا يزال يُعبّر عن رفضه القاطع لأي تعاون مع الاحتلال. وقد أثبت التاريخ أن الأنظمة الداعمة للاحتلال ستُحاسَب، عاجلاً أم آجلاً، أمام شعوبها.
على كل من يشارك في تجميل وجه الاحتلال، ويشرّع له التوغّل في الأراضي العربية، أن يتذكّر أن جرائم غولاني وأمثاله لا تُنسى، وأن كل من يحتضن القتلة سيكون شريكًا في الجريمة.
مشاركة “غولاني” في مناورات المغرب ليست عارًا على الرباط فقط، بل إنّها ضوء أخضر جديد لحرب الإبادة في غزة، ورسالة استخفاف بدماء الشهداء، وتذكير مرير بأن بعض الأنظمة باتت تقف في خندق القتلة لا الضحايا.
اقرأ أيضًا : صندوق الثروة السيادية النرويجي يسحب استثماراته من شركة إسرائيلية
اضف تعليقا