ضمن سلسلة تحقيقات استقصائية نشرتها وكالة فرانس 24 حول كيفية وصول ذخائر أوروبية إلى الميليشيات السودانية رغم الحظر الأوروبي المفروض على تصدير السلاح إلى السودان، تكشف الحلقة الخامسة من السلسلة عن استمرار شركات فرنسية وأوروبية في إبرام صفقات وتعاونات عسكرية وتجارية مع شركة International Golden Group (IGG) الإماراتية، وشركتها الأم Edge Group، رغم الأدلة المتزايدة على تورطهما في تهريب أسلحة إلى مناطق خاضعة لعقوبات دولية، وعلى رأسها السودان.
وفي الحلقات الأربع السابقة من التحقيق، كشف فريق فرانس 24 Observers بالأدلة الميدانية والوثائق الرسمية أن قذائف هاون من إنتاج شركة بلغارية تدعى Dunarit وصلت إلى ميليشيا الدعم السريع السودانية عبر شركة IGG الإماراتية، وهي شركة معروفة بنشاطها في تهريب الأسلحة إلى ليبيا، حيث وصلت هذه الذخائر أولًا، ثم نُقلت إلى السودان ضمن قافلة تضمنت مرتزقة كولومبيين، واستخدمت لاحقًا ضد المدنيين في دارفور وأم درمان ومخيمات النزوح، في انتهاك صريح للحظر الأوروبي وحظر الأمم المتحدة.
في هذه الحلقة الأخيرة، يكشف التحقيق أن IGG – المتورطة في تسليح ميليشيات الدعم السريع – لا تزال فاعلة في السوق الدولية، وتواصل توقيع شراكات عسكرية وتجارية مع شركات أوروبية كبرى، من بينها Safran، Thales، وKNDS France الفرنسية، إلى جانب Leonardo الإيطالية وIndra الإسبانية، رغم تورط IGG وEdge Group في تكرار انتهاك قرارات الحظر الأممي في السودان وليبيا واليمن.
تعود بداية الانكشاف إلى العام 2023، حين وقّعت شركة IGG الإماراتية اتفاقًا مع شركة Safran الفرنسية لإنشاء مشروع مشترك يركّز على تطوير تقنيات البصريات والملاحة لتلبية احتياجات وزارة الدفاع الإماراتية. وقد تأسس هذا المشروع داخل مقار IGG نفسها، وبتمويل من برنامج التوازن الاقتصادي الإماراتي، وهو صندوق حكومي مخصص لتطوير الصناعات الدفاعية. وتم افتتاح المقر رسميًا بحضور رئيس فرع Safran، قبيل انطلاق معرض الدفاع الدولي IDEX 2025 في أبو ظبي، حيث شاركت الشركة الفرنسية كعارض رئيسي.
وفي فبراير/شباط 2023 أيضًا، وقعت IGG اتفاقًا آخر مع شركة KNDS France (التي كانت تُعرف سابقًا بـNexter والمملوكة بنسبة 50% للحكومة الفرنسية) لتحديث دبابات Leclerc التابعة للجيش الإماراتي، وضمان تفوقها التشغيلي لعقود قادمة. وقد كانت KNDS من أبرز المشاركين في نسخة IDEX الأخيرة، حيث ظهرت صور ممثليها إلى جانب وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو.
أما شركة Thales الفرنسية، فقد بدأت تعاونها مع IGG منذ عام 2009، بهدف حماية البنى التحتية الحيوية، لا سيما في قطاع النفط والغاز. وقد تعزز هذا التعاون في 2017 باتفاق جديد مع شركة Thales Optronique. اللافت أن وكالة أنباء الإمارات الرسمية نشرت حينها تقريرًا عن الاتفاق، لكنها عادت في اليوم التالي لتعيد نشره بعد حذف اسم الشركة الفرنسية، ما يعكس محاولة لإخفاء الشراكة.
لم تتوقف هذه العلاقات عند الشركات الفرنسية، بل امتدت لتشمل شركاء أوروبيين آخرين. ففي معرض IDEX 2025، وقّعت كل من شركة Indra الإسبانية وLeonardo الإيطالية اتفاقات تعاون مع Edge Group، الشركة الأم الجديدة لـIGG، والتي تأسست بتمويل حكومي إماراتي وتضم عشرات شركات التصنيع العسكري الإماراتي. وقد كانت Edge شريكًا استراتيجيًا للمعرض، ما يعكس نفوذها المتصاعد في سوق الأسلحة العالمي.
وفي المعرض نفسه، أبرمت IGG واحدة من أكبر الصفقات العسكرية، بلغت قيمتها 178 مليون يورو، لتزويد الجيش الإماراتي بالذخائر. هذا الرقم لا يبدو عابرًا، نظرًا لأن الوثائق السابقة للأمم المتحدة أكدت أن IGG كانت في السابق تستورد السلاح على أنه مخصص للجيش الإماراتي، ثم تعمد إلى إعادة تصديره إلى ليبيا، حيث يُسلّم إلى ميليشيات خليفة حفتر، قبل أن يُنقل لاحقًا إلى السودان.
وعلى الرغم من عدم وجود أدلة حاسمة تثبت أن المعدات والتقنيات التي حصلت عليها IGG وEdge Group من الشركات الأوروبية وصلت بالفعل إلى السودان، إلا أن سجل الشركة الموثّق في انتهاك الحظر الدولي يجعل هذا السيناريو ممكنًا للغاية؛ ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كشفت منظمة العفو الدولية أن ناقلات جند مدرعة تابعة للدعم السريع في السودان كانت مزودة بأنظمة فرنسية الصنع، بما في ذلك أنظمة الدفاع الذاتي Galix المصنعة من قبل شركة Lacroix Defense الفرنسية.
وفي ردها على التحقيق، أقرت Lacroix Defense بأنها سلّمت هذه الأنظمة إلى الجيش الإماراتي بموجب تراخيص قانونية وشهادات منع إعادة تصدير، لكنها لم تجب على سؤال مباشر عمّا إذا كانت أبو ظبي قد طلبت إذنًا لإعادة تصدير هذه الأنظمة إلى السودان. أما شركة KNDS France، فقالت إنها ليست الجهة المصدّرة، وإنها باعت الأنظمة داخل فرنسا إلى Lacroix، وبالتالي فهي لا تعرف الجهة النهائية التي ستستخدم الأنظمة.
رغم هذه الوقائع، واصل المسؤولون الفرنسيون الدفاع عن علاقاتهم مع أبو ظبي. وقد شاركت KNDS في معرض IDEX إلى جانب شركات إماراتية مثل Nimr، المصنعة للمدرعات التي استُخدمت في السودان، والتي ظهرت في صور العارضين الفرنسيين على منصة لينكد إن.
الخبير الفرنسي توني فورتان من مرصد التسلح في فرنسا، علّق على هذه الشراكات قائلًا إن العلاقة بين الصناعة الدفاعية الفرنسية والنظام الإماراتي عميقة للغاية، وتعود إلى التسعينات حين كانت 70% من معدات الجيش الإماراتي فرنسية الصنع. وأضاف أن فرنسا لعبت دورًا كبيرًا في تمكين الإمارات من بناء صناعتها العسكرية المحلية.
لكن فورتان حذر من أن هناك مخاطرة واضحة في تصدير الأسلحة إلى الإمارات، خاصة في ظل التقارير المتكررة التي تؤكد دعمها لأطراف متورطة في جرائم وانتهاكات في اليمن، الصومال، والسودان. وأضاف: “نعرف أن بعض الشركات الدولية ترفض التعامل مع IGG أو Edge Group. فلماذا تستمر الشركات الفرنسية في ذلك؟ عليها أن تشرح نفسها.”
وفيما تؤكد الشركات الفرنسية والأوروبية أنها تلتزم بالقوانين المحلية والدولية، تظل الحقائق تشير إلى نمط متكرر من تجاهل التاريخ الأسود لشركة IGG، التي لعبت دورًا محوريًا في تسليح ميليشيا الدعم السريع المتورطة في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في السودان، كل ذلك برعاية النظام الإماراتي وتمويله، وبصمت أوروبي يثير الريبة.
اضف تعليقا