العدسة– معتز أشرف:

وثائق مهمة كشفتها وزارة الخارجية الأمريكية، أزاحت الستار عن تفاصيل جديدة بمفاوضات كامب ديفيد للسلام بين مصر ودولة الاحتلال الصهيوني، لكنها أسقطت ورقة التوت عن السعودية التي دعمت الاتفاقية والتطبيع مع العدو الصهيوني منذ اللحظة الأولى عبر مراسلات مشينة تحمل فضائح، نرصدها.

فضيحة بالوثائق.. السعودية في أحضان "إسرائيل" منذ "كامب ديفيد"!

نسخة لإحدى الوثائق

 برقية أغسطس!

كشفت برقية مؤرَّخة بـ10 أغسطس عام 1978، نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية تم بعثها من السفارة الأمريكية في السعودية إلى وزارة الخارجية الأمريكية، عن لقاء عقد يوم 9 أغسطس من العام ذاته في مدينة الطائف جمع السفير الأمريكي، جون سي ويست، مع وزير الخارجية السعودي آنذاك، الأمير سعود الفيصل.

وقال مسؤول أمريكي كتب البرقية وشارك في الاجتماع، ولم يكشف عن هويته: إن الأمير سعود “أعرب عن دعمه الكامل” لدعوة الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر، لنظيره المصري أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحم بيجين، لعقد اجتماع في كامب ديفيد، و”صرَّح بأنه يفكر في توصية اللجنة الاستشارية العامة بإصدار بيان علني حول هذا التأييد”، وبحسب البرقية، قال الأمير سعود خلال الاجتماع “بشكل قاطع إنّه اعتبر أن موقف السعودية من المفاوضات قد تمّ تحريفه، ولم يسعَ السعوديون لإنهاء المفاوضات”، كما لم تهدف إلى ذلك رحلة ولي العهد السعودي آنذاك، الأمير فهد بن عبد العزيز، إلى القاهرة، فيما أوضح وزير الخارجية السعودي أن “زيارة الأمير فهد إلى مصر جاءت بعد أن قرر السادات عدم الذهاب إلى المفاوضات في قلعة ليدز” بإنجلترا في الفترة من 18-19 يوليو 1978.

وتابعت البرقية أن الأمير سعود “رد بحماسة ملحوظة” وقال: “إننا نريد أن تنجح كامب ديفيد، لأن ذلك سيكون نجاحًا لأصدقائنا الأقرب في مصر والولايات المتحدة، فيما أضاف وزير الخارجية السعودي متعهدًا: “سنفعل كل ما بوسعنا للمساعدة، كما أشار إلى أن المملكة ستجعل دعمها علنيًا، لكنه شدد على أن كل “مخرجات كامب ديفيد من الضروري أن تلقى قبولًا واسعًا في العالم العربي”؛ حيث أعرب مرارًا خلال الاجتماع عن قلقه من أن الولايات المتحدة “ستضغط على السادات لجعله يقدم تنازلات في مسألة الانسحاب (الإسرائيلي من الأراضي المحتلة) والقضية الفلسطينية ستكون غير مقبولة تمامًا بالنسبة للعرب”.

وأجاب المسؤول الأمريكي المجهول للأمير السعودي بالقول: إنه لا يستطيع أن يتنبأ بنتائج لقاء كامب ديفيد، إلا أنه تعهد بأن “جميع الأفكار، التي ستتقدم بها الولايات المتحدة حول القضايا الأساسية، أي السلام والانسحاب والأمن والفلسطينيين”، ستتطابق مع الموقف الأمريكي من القرار رقم 2424.

برقية  يناير

وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية فإنها أرسلت برقيات إلى السفارات في إسرائيل ومصر والأردن والسعودية وقنصليتها العامة في القدس، في 5 يناير 1980، بعنوان “الطريق إلى المفاوضات”، وقال وزير الخارجية الأمريكي، آنذاك، في البرقيات: إنه يرغب في أن يوضح الطريقة التي من المفترض أن تسير عليها المفاوضات، مُشيرًا إلى أنه يقلق من أن يتم إهدار الوقت على قضايا هامشية تقوض من العمل على الوصول إلى خطة سلام شاملة، وتساعد على حل المشكلة الحقيقية.

وأرسلت السفارة الأمريكية في المملكة العربية السعودية برقية إلى وزارة الخارجية الأمريكية، في 10 يناير 1980، بعنوان “مقابلة مع ولي العهد الأمير فهد”، قالت فيها: إن السفير أيلتس، والمستشار الخاص صباغ التقيا بولي العهد السعودي في منزله في جدة، واستمرّ اللقاء قرابة الساعتين مساء يوم 9 يناير، وكان الأمير فهد لطيفًا وودودًا ولكنّه أعرب عن قلقه البالغ إزاء هجمات السادات المستمرة، مُشيرًا إلى مقالة بعينها نُشرت في مجلة أكتوبر.

وأوضح ولي العهد السعودي أنّه كان من الصعب للغاية السيطرة على رؤساء التحرير والكتّاب السعوديين من الرد على السادات، ولكنه أصدر تعليمات بعدم الخوض في هذه المسألة، وعدم نشر أي معلومات تُهاجم السادات في الصحافة ووسائل الإعلام السعودية، وأعرب عن رغبته في نجاح السادات، وأنّه أول الداعيين له والمتمنين أن يتمكن من حل مشكلة الفلسطينيين والقدس، وحسب الرسالة، فإنَّ الأمير فهد ناقش مع الدبلوماسيين الأمريكيين الوضع الاستراتيجي العام في المنطقة، بما في ذلك أزمة الرهائن وغزو أفغانستان.

من جانبه هدَّد الأمير فهد بالانتقام من مصر، بعد تجدد الهجمات الإعلامية على الحكومة السعودية، وقال في البرقية التي أرسلها من السفارة الأمريكية في السعودية إلى وزارة الخارجية، في 16 فبراير 1980: إن مصر تواصل هجومها الإعلامي على المملكة، خاصة العائلة المالكة، ما تسبّب في نفاد صبر الرياض، وحذر ولي العهد من أنه لم يعد من الممكن تجاهل الهجمات، وإذا استمر الأمر كذلك سوف نتخذ بعض الإجراءات قد تزيد من الخلافات بين الحكومة المصرية والسعودية، وقد يكون لها تأثير سيئ جدًا على العلاقات بين البلدين.

 استعداد مبكر

وفي العام 2013، رفعت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي آيه” صفة السرية عن 1400 صفحة من الوثائق الاستخباراتية المرتبطة باتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها إسرائيل ومصر عام 1978، وكشفت الوثائق عن أن الوكالة اعتبرت في يناير عام 1977 أن التطورات في المنطقة، بما فيها الصلح بين مصر وسوريا ووقف إطلاق النار في لبنان واستعداد السعودية لتحقيق تقدم في “الخلاف الفلسطيني- الإسرائيلي” خلقت ظروفًا ملائمة لإطلاق مبادرة عربية واسعة للسلام بقيادة مصر وبدعم من السعودية.

هذه المشاركة المبكرة في الاتفاقية، تكشف حقائق تتوزاى مع تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين أن عملية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية قد جعلت الأخيرة شريكًا في اتفاقية السلام مع إسرائيل إلى جانب مصر، كما يتضح من المعلومات أن اتفاق نقل السيادة نقل إلى حيز التنفيذ بموافقة إسرائيل والولايات المتحدة، وإطلاع قوات حفظ السلام، وبحسب تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي، موشي يعالون، فإنه قد تم التوصل إلى تفاهم بخصوص نقل السيادة على الجزيرتين يشترط أن تحل السعودية مكان مصر في الملحق العسكري لاتفاقية السلام.

وأضاف أن الوثيقة ترسي التزام السعودية، والتي لا يوجد أي اتفاق رسمي بينها وبين إسرائيل، بمواصلة العمل بموجب التفاهمات التي توصلت إليها إسرائيل ومصر في اتفاقية السلام التي وقع عليها الطرفان في العام 1979.

 تناقضات فاضحة

يأتي هذا في سياق يفضح مشاركة السعودية في نوفمبر 1978، إثر توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل، ضمن الدول العربية التي أيدت في قمة بغداد، نقل مقر الجامعة العربية وتعليق عضوية مصر، ثم قطع العلاقات بعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979، وشملت المقاطعة تعليق الرحلات الجوية ومقاطعة المنتجات المصرية وعدم التعامل مع الأفراد، وأصدرت الجامعة العربية آنذاك قرارًا باعتبار تونس المقر الرسمي للجامعة العربية وتعيين الشاذلي القليبي أمينًا عامًا للجامعة الذي ظل يشغل المنصب حتى عام 1990.

والطريف أنه جاء في قرار مجلس الوزراء السعودي “أنه ونظرًا لأن حكومة مصر العربية قد قبلت وعزمت على تبادل التمثيل الدبلوماسي مع العدو الصهيوني، وبدأت في إنشاء علاقات طبيعية معه دون مراعاة الحد الأدنى من المطالب التي تتطلع الأمة العربية من خلالها إلى تحقيق السلام العادل والشامل، فإنّ المملكة السعودية قررت قطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع جمهورية مصر العربية، كما قامت الصحف السعودية بشن حملة انتقادات مضادة واتهمت الصحف السعودية الرئيس المصري بالتخبط والفشل في حل أزمات مصر وبيع القدس إلى إسرائيل ونهب ألوف الملايين من الدولارات التي قدَّمتها الدول العربية الغنية إلى مصر لتمكينها من الوقوف على قدميها.

وعلى صعيد الإجراءات التي أقْدَمت عليها السعودية في إطار سياسة المقاطعة العربية أعلنت وقف شحن النفط إلى مصر بسبب توقيعها على معاهدة الصلح مع إسرائيل، كما قامت الحكومة السعودية بالاتفاق مع الحكومة الكويتية بسحب أرصدتها المالية المودعة لدى المصرف المركزي المصري التي بلغت ألفي مليون دولار، كما صدر قرار بمنع الصحف والمجلات المصرية من دخول المملكة السعودية اعتبارًا من 14 مايو 1979، وفي نفس اليوم أكد الأمير فهد- ولي العهد آنذاك- أن بلاده لن تسدد ثمن الطائرات (ف- 5) التي طلبت مصر شراءها من الولايات المتحدة كما كان مقررًا، وفي اليوم التالي أعلن الأمير سلطان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العربية للتصنيع إنهاء وجود الهيئة من الناحية القانونية اعتبارًا من أول يوليه 1979.