مقال في مجلة فورين بوليسي بقلم كيت كايزر- كاتبة متخصصة في السياسة الخارجية، وقادت سابقا الدعوة للسياسة في “انتصروا بلا حرب” و “مشروع السلام في اليمن”.

 

الشهر الماضي، تسبب بريت ماكغورك، منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط، في زيادة معاناة الملايين من المدنيين اليمنيين، زاعماً أن المتمردين الحوثيين في اليمن فقط هم المسؤولون عن استمرار هذا الصراع المستمر منذ سبع سنوات والذي أصبح أكبر أزمة إنسانية في العالم، متجاهلاً الدور الوحشي الذي تتولاه السعودية في هذه الحرب، والدعم الأمريكي لها.

استند ماكغورك في تحليله على قيام الحوثيين بإطلاق صواريخ باليستية على الإمارات العربية المتحدة، وسلسلة من جرائم الحرب الخاصة بهم، سيكون من السهل الوقوع في هذا التحليل التبسيطي للصراع، لكن اختزال الحرب في هذه الحادثة فقط، والجزم بأن مسؤولية وقف لإطلاق النار وإنهاء الحرب يتحملها -ببساطة- الحوثيين، وليس الحكومة المدعومة من السعودية، يكشف ماكغورك عن سوء فهمه للصراع.

لمدة أربع سنوات، أخبرني المسؤولون الأمريكيون في كل من الإدارات الجمهورية والديمقراطية، بصفتي مدافعة عن حقوق الإنسان أن: “المملكة العربية السعودية مستعدة لإنهاء الحرب”، وأن الأمر يتعلق فقط بـ “إيجاد طريقة لحفظ ماء الوجه للخروج”، بمعنى أدق: “هل هناك طريقة للمملكة العربية السعودية لتخبر الجميع أنها انتصرت في الحرب؟”

بدأت المملكة العربية السعودية حرباً يعلم الجميع أنها كانت خطأ منذ البداية- وبدلاً من حثها على التراجع، انخرطت الحكومة الأمريكية في مساعدتها على تجويع ملايين الأشخاص لكسب ود ولي العهد محمد بن سلمان.

السعودية تحاول فعلاً الخروج من الحرب اليمنية، لكن لا تجد السبيل المناسب لذلك، على مر السنوات الماضية، كانت هناك محاولات عدة بالفعل. في ظل الإدارة السابقة [إدارة ترامب]، كانت المحاولات تعني الصمت أو تصريحات الدعم من السلطة التنفيذية، والتي كانت بمثابة شيك على بياض لدعم أي خطط إقليمية أعدها ولي العهد السعودي وولي العهد الإماراتي وغاريد كوشنر [صهر الرئيس].

لكن في ظل الإدارة الجديدة، يبدو أن إدارة بايدن، بما في ذلك ماكغورك، قد قررت أن الرياض عالقة في حرب ليس لديها سوى القليل من القوة لإنهائها، وكالعادة، لا يبذل المسؤولون الأمريكيون الجهد الكافي لإظهار الحقيقة الكاملة في أن السعودية متورطة في الجرائم، وأنها أيضاً عالقة في الصراع.

كانت الحرب الأهلية في اليمن في البداية صراعاً محلياً بحتاً، متجذرًا في العديد من إخفاقات الحكم البارزة، وغياب المساءلة بين النخب، والفساد المتأصل في نظام سلطة النخبة في اليمن، والذي ترسخ على مدار 33 عامًا من الحكم الاستبدادي الفردي، ومع ذلك، وبعد أن طال الصراع، أصبح دولياً بصورة أو بأخرى، خاصة بعد أن تلقى الحوثيين دعمًا عسكريًا خارجيًا من إيران في أعقاب تدخل التحالف الخليجي الذي دعم الحكومة اليمنية الأخرى، وفي الوقت نفسه، تسعى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أيضًا إلى تحقيق أجندتهما الخاصة في اليمن، وتمويل الميليشيات بالوكالة واستعمار أجزاء من الشرق والجنوب سعياً وراء خطوط أنابيب النفط والطاقة.

مع قيام المجتمع الدولي بالمزيد لتأجيج الصراع بدلاً من حله، في المقام الأول من خلال عمليات إعادة التسلح التي لا نهاية لها للتحالف، انقسم اليمن بصورة رسمية.

مراكز قوى مختلفة في كل مكان، كلها تقريبًا ارتكبت ولا زالت ترتكب جرائم ضد المدنيين الذين يعيشون تحت سيطرتهم، كل طرف يحكم الآن أجزاء من البلاد. أما عملية السلام التي قادتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة لم تحقق أي تقدم لسنوات: متابعة وقف إطلاق النار من الشمال إلى الجنوب بين الرجال المسلحين – وهي استراتيجية فشلت بالفعل عدة مرات – بدلاً من إشراك المجتمع المدني اليمني النابض بالحياة والمهتم بسلام.

تعليقات ماكغورك منذ العام الماضي تكشف حقيقة أخرى مفادها أن الولايات المتحدة والأمم المتحدة قد انخرطتا في دبلوماسية ذات مغزى وطرحتا مبادرات “جديدة”، وأن الحوثيين هم المشكلة، وفي هذه المرحلة، فإن الولايات المتحدة تدعم فقط المملكة العربية السعودية- هذا هو تأويل تعليقات ماكغورك.

أثبتت هذه المبادرات “الجديدة” أنها أعيد تدويرها من قبل الحكومتين السعودية والإماراتية خلال إدارة ترامب، وبينما ألغت إدارة بايدن تصنيف جماعة الحوثيين الإرهابية الأجنبية التي فرضتها إدارة ترامب، لكنها اختارت أيضًا تجاهل مطالب الحوثيين بإنهاء حصار التحالف من جانب واحد باعتبارها غريبة وليست ضرورية، كما ذكر رئيس برنامج الغذاء العالمي؛ لتجنب المجاعة.

موقف ماكغورك يوضح تمامًا أنه لا توجد مساءلة لحلفاء أمريكا سواء بالنسبة للسعودية أو الإمارات العربية المتحدة، ناهيك عن جرائم الحرب التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع.

ساد الإفلات من العقاب في ظل فشل الولايات المتحدة في دعم قرار حلفائها الأوروبيين بتمديد ولاية خبراء جرائم الحرب التابعين للأمم المتحدة المحايدين من أجل المساءلة المستقبلية لجميع أطراف النزاع، بما في ذلك الحوثيون، الذين نادراً ما يملك المجتمع الدولي نفوذاً آخر عليهم.

كان الإفلات من العقاب الذي يحرك سياسة بايدن واضحًا في القرار الواضح بمواصلة سياسة ترامب في انتهاك الالتزامات الدولية للولايات المتحدة لمنع انتشار تكنولوجيا الصواريخ لبيع أجهزة الطائرات بدون طيار القاتلة للحكومة الإماراتية، كان كذلك واضحًا في فشل الحكومة الأمريكية في تحميل ولي عهد المملكة العربية السعودية المسؤولية، وفقًا للاستخبارات الأمريكية، عن موافقته على اغتيال كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست المعارض جمال خاشقجي.

وقد تجلى الإفلات من العقاب أيضاً في فشل وزارة الخارجية في إدانة انتهاك الحكومة السعودية الواضح لاتفاقية جنيف بقصفها مركز اعتقال في شمال اليمن والذي أدى إلى مقتل ما يقرب من 100 شخص الشهر الماضي.

بعد أكثر من ست سنوات من المساعدة والتحريض على جرائم الحرب، لم يكن تعيين دبلوماسي معين لليمن كافياً لإظهار أن أمريكا كانت جادة في اتباع مسار مختلف، لقد أدى هجوم الحوثيين على محافظة مأرب اليمنية إلى إبقاء المجتمع الدولي يركز على ساحة المعركة، وليس على نهج جديد يسعى إلى التخلص من الزخم من الرجال المسلحين.

في غضون ذلك، يستمر العمل كالمعتاد، مع إخطارات بالملايين في عمليات نقل أسلحة جديدة، وجميع الإدانات موجهة فقط للحوثيين، مع التعبير عن “القلق العميق” فقط لقتل المدنيين من قبل السعودية.

لن تنتهي الدورة المدمرة من الهجمات الانتقامية بين السعوديين والإماراتيين والحوثيين عبر الخطاب الدبلوماسي المزدوج، منذ أن بدأت في عام 2016، حدثت هذه الهجمات خارج حدود اليمن، مرارًا وتكرارًا، ردًا على إلحاق ضرر بالمدنيين من قبل التحالف أو الهجمات العدوانية المفترضة على اليمن.

الحقيقة القاسية هي كالتالي: لطالما كان اليمن وسيلة لتحقيق غاية بالنسبة للحكومة الأمريكية، فقط عندما ينشأ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أو ما يسمى بـ “الحرب بالوكالة السعودية الإيرانية”، ربما يجعل هذا صناع السياسة في واشنطن ينتبهون. ادعى الأشخاص الذين يعملون الآن في الحكومة الأمريكية على مدى السنوات الأربع الماضية أنهم تعلموا درسهم في اليمن، وإذا ما أتيحت لهم الفرصة، فسوف يصححون خطأهم الذي ارتكبوه 2015، والذي تسبب في مجاعة من صنع الإنسان وأدى إلى حرب شرسة لا توجد بوادر أمل على إنهائها في المستقبل القريب طالما أن المجتمع الدولي متمسك بهذه السياسات العقيمة.

لا يوجد حل لحفظ ماء الوجه للسعودية باستثناء قبولها أنها خسرت في اليمن وإنهاء تدخلها من جانب واحد، والجلوس على طاولة المفاوضات، كما فعلت في عام 2010 لتأمين حدودها الجنوبية.

تمامًا مثل ذلك الوقت، فإن الحقيقة غير المريحة هي أن سنوات من عدم الرغبة في التفاوض بشكل هادف بدلاً من ساحة المعركة قد دفعت بالحرب إلى نهايتها الحتمية مع خيارات سياسية أقل وأقل مع مرور الوقت.

إلى أن تتوقف القيادة في الرياض وأبو ظبي – والمستفيدين من حربهم في واشنطن ولندن – عن السعي لإيجاد حل عسكري لهذا الصراع، سيستمر الحوثيون في فعل الشيء الوحيد الذي يتقنونه: شن حرب وحشية لا يدفع ثمنها سوى الملايين من المدنيين.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا