العدسة – جلال إدريس
كغيرها من بلدان دول الخليج، تشهد دولة البحرين انتهاكات واسعة في مجال حقوق الإنسان، ويتراجع مستوى الحريات فيها بشكل كبير، غير أنّ المختلف في المملكة البحريينة أن السلطة تبرر دائمًا وأبدًا قمعها ضد المواطنين والمعارضة بأنها تخشى من التمدد الشيعي الإيراني في بلادها.
ولأن “البحرين” تشهد تمددًا كبيرًا للتيار الشيعي، في مناطق مختلفة من المملكة، فإن ذلك سهّل على السلطة أن تتهم أي معارض بالولاء لإيران، والتجسس لصالح دولة أجنبية، والعمل على قلب نظام الحكم، الأمر الذي زاد من الأحكام القضائية القمعية للمعارضين الذين ينتقدون السلطة ويطالبون بالإصلاحات.
وازدادت موجة القمع في المملكة، بعد مظاهرات 2011، التي ضربتها وطالبات بإسقاط النظام الملكي وتوريث السلطة، وتحويل البلاد لملكية دستورية، تشهد انتخابات ديموقراطية نزيهة، وتحكم فيها حكومة منتخبة.
العدسة ومن خلال التقرير التالي تسلط الضوء على الملف الحقوقي في البحرين، وتستعرض نماذج من الانتهاكات الحقوقية، والتقارير الدولية التي تكشف ذلك، وتطرح التساؤلات المختلفة عن سر صمت المجتمع الدولي على الانتهاكات البحرينية بحق المعارضين السلميين.
سجن 5 سنوات بسبب تغريدة
المعارض البحريني البارز والناشط الحقوقي نبيل رجب، هو آخر من طالته الأحكام القضائية القمعية في البحرين؛ حيث قضت محكمة بحرينية الأربعاء 21 فبراير 2018، بسجنه لمدة خمس سنوات، بعد إدانته بانتقاد الحكومة على حسابه في تويتر.
وقال مصدر قضائي: إن المحكمة الكبرى الجنائية دانت رجب بـ”إذاعة أخبار كاذبة وإهانة دولة أجنبية”، في إشارة الى السعودية.
وبحسب الادعاء نشر رجب وأعاد نشر عدد من التغريدات من خلال حسابه الخاص على تويتر، “تضمنت ادعاءات وأكاذيب أساء من خلالها إلى الهيئات النظامية ممثلة بوزارة الداخلية والمؤسسات الأمنية التابعة لها، وذلك بأن اتهمها بتعذيب السجناء وإذلالهم”.
كما نشر- وفقا للتهم التي وجهت إليه- تغريدات تضمنت “بث أخبار وبيانات كاذبة ومغرضة، تتعلق بالعمليات العسكرية التي تقوم بها مملكة البحرين ضمن التحالف” العربي في اليمن، الذي تقوده السعودية.
واعتمد الادعاء في اتهاماته أيضا على مقابلة في يناير 2015، قال فيها إن البحرين تحتجز سجناء سياسيين تعرضوا للتعذيب.
وكان للمعارض نبيل رجب دور بارز في الاحتجاجات التي اندلعت في البحرين عام 2011، وقد اعتقل منذ ذلك الوقت مرات عدة.
3 سنوات لتمزيق صورة الملك
في 2015 قررت محكمة الاستئناف البحرينية خفض الحكم بالسجن بحق الناشطة زينب الخواجة من ثلاث سنوات إلى سنة واحدة عقب إدانتها بإهانة الملك بعد تمزيق صورته.
وصادقت المحكمة على الحكم إلا أنها خفضته من ثلاث سنوات إلى سنة، وقررت المحكمة تغريم زينب مبلغ 3 آلاف دينار (نحو 8000 دولار- 7000 يورو).
وقتها أكد جيمي لينش نائب الرئيس الإقليمي للمنظمة العفو الدولية أن الحكم على الخواجة هو “اعتداء انتقامي على حرية التعبير، ويشكل مثالاً جديدًا على استخدام السلطات البحرينية للأساليب القمعية لإسكات النشطاء السلميين”، وأضاف “من السخيف أن تواجه زينب الخواجة حكمًا بالسجن لمدة عام لمجرد أنها مزقت صورة رأس الدولة، يجب على السلطات البحرينية أن تعمل على شطب إدانتها وإلغاء حكم السجن الصادر بحقها”.
واعتُقلت زينب، التي تتمتع بالجنسية الدنماركية، عدة مرات منذ اندلاع المظاهرات المطالبة بالديمقراطية في عام 2011، وفي فبراير من عام 2015، أُطلق سراحها من السجن، بعدما قضت نحو عام خلف القضبان بسبب المشاركة في تجمع غير مصرح به وإهانة الشرطة، ويقبع والدها، عبد الهادي الخواجة، في السجن بسبب دوره في المظاهرات المناهضة للحكومة في عام 2011.
إسقاط الجنسية عقوبة المعارضين
وتيرة الانتهاكات الحقوقية في مملكة البحرين، ترتفع كل عام عما سبقه بشكل غير مسبوق، غير أنها لم تعد تتوقف عند الحدود المتعارف عليها، وإنما وصلت إلى حد إسقاط الجنسية عن المئات من المواطنين.
وتتهم جهات حقوقية دولية السلطات في البحرين، بإجراءات تبدأ بالاعتقال ويمكن أن تنتهي بإسقاط الجنسية والترحيل، مثلما حدث لبعض المحكوم عليهم في الأيام الماضية.
وقد اعتاد النظام في البحرين استخدام عقوبة إسقاط الجنسية من المواطنين كأداة لمعاقبة المعارضين السياسيين منذ القرن الماضي، حيث استخدم هذا الإجراء لأول مرة عام 1954 عندما خسر الزعيم الوطني عبد الرحمن الباكر جنسيته، بسبب نشاطه السياسي ضد النظام آنذاك، وقد تم ترحيله مع رموز المعارضة إلى جزيرة سانت هيلانة في جنوب المحيط الأطلسي، أما في الستينيات والسبعينيات فلم يسمح النظام للعديد من المعارضين الذين يدرسون خارج البحرين للعودة، ولم تجدد جوازات سفرهم، وكذلك تم في الثمانينات نفي المئات من البحرينيين من الأصول الإيرانية قسرًا إلى طهران بعد أن تم إلغاء جنسياتهم.
وانتقدت “هيومن رايتس ووتش” قيام السلطات البحرينية بترحيل مواطنين بعد تجريدهم “تعسفيًا” من جنسياتهم. وذكرت المؤسسة الحقوقية الدولية أنَّ السلطات البحرينية رحّلت 8 بحرينيين، بعد أن نزعت منهم جنسيتهم في 29 يناير الماضي، بناءً على قرار من محكمة الاستئناف بتهمة “الإضرار بأمن الدولة”.
اعتقال وتعذيب وإخفاء قسري
الانتهاكات الحقوقية بحق المواطن البحريني امتدت أيضا إلى الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري.
وكان منتدى البحرين لحقوق الإنسان قد أعلن عن رصد 995 انتهاكًا جسيماً لحقوق الإنسان في البلاد، خلال يناير الماضي، تشمل اعتقالات وتعذيباً واختفاء قسرياً فضلاً عن سحب الجنسيات المتواصل منذ 2012 وحتى الآن.
ورصد تقرير المنتدى، 121 حالة اعتقال تعسفي، شملت ستة أطفال، و17 حالة اختفاء قسري، كما تعرض 77 بحرينيًا لأحكام تعسفية، فضلاً عن حالتي إتلاف ممتلكات.
وأشار إلى انتهاك حرية التنقل باستمرار الحصار الأمني لمنطقة الدراز (شمال غربي البحرين) نحو سنة ونصف السنة، كما رصد تعرُّض 200 مواطن بحريني للتوقيف لأسباب تتعلق بحرية التعبير والتجمع السلمي، و342 مادة إعلامية تحرض على الكراهية.
التقرير تحدّث أيضاً عن 81 حالة تعذيب وسوء معاملة، قال إن من بينها 4 حالات لنساء، و8 لأطفال “أحدهم رضيع”.
ويأتي الكشف عن هذا العدد الكبير من الانتهاكات خلال شهر واحد، في حين تتزايد الانتقادات الدولية للسلطات البحرينية، لاستهدافها المعارضين والحقوقيين.
الخوف من الشيعة حجة لقمع المعارضين
ينحدر المواطنون في دولة البحرين لأعراق مختلفة وعائلات وقبائل متعددة وانتماءات مذهبية وعقائدية متنوعة، وهذه المكونات عاشت فترات من الزمن متعايشة مع بعضها البعض بمحبة وسلام، حتى استدعت السلطات البحرينية الحالية حجة التشيع والخطر الإيراني والتمدد الشيعي في قمع المتظاهرين وإخماد الحراك الواسع الذي شهدته البلاد بالتزامن مع موجات الربيع العربي عام 2011.
ومع الدور الذي قام به الشيعة في الحراك الشعبي الذي انطلق في فبراير 2011 للمطالبة بالديمقراطية والمشاركة في إدارة شئون البلاد، وفقاً لما يقرره العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، قامت السلطات البحرينية بالعديد من الإجراءات العقابية ضد المشاركين في الاحتجاجات، كما توسعت في القمع والانتهاكات بحق المعارضين رافعة شعار الخوف من الشيعة وإيران.
وبين الحين والآخر تلقي السلطة البحرينية القبض على عشرات النشطاء والمعارضين وتحاكمهم بتهمة التخابر مع إيران تارة، ومع التآمر لقلب نظام الحكم تارة أخرى، حتى أصبح الخوف من الخطر الشيعي هو حجة نظام الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، في قمع المعارضين.
اضف تعليقا