في لحظة فارقة من تاريخ الأمة، يختار النظام الأردني الاصطفاف الكامل مع منظومة الاحتلال، ليس فقط بالتطبيع الصامت، بل بالمشاركة الفاعلة في قمع كل صوت ينادي بالمقاومة، حتى وإن كان من أبناء الأردن نفسه.
القضية التي فجّرها الأمن الأردني مؤخرًا، والمتعلقة بمجموعة من الناشطين الأردنيين الذين “خططوا لاستهداف الاحتلال”، كشفت عن حجم الأزمة السياسية العميقة في البلاد. فبدلًا من أن يُحتفى بهؤلاء الشباب كأصوات حرة ترفض الاحتلال وتنحاز للكرامة العربية، واجههم النظام بتهمة عبثية: “محاولة ضرب أمن الدولة الأردنية”.
هنا يتجلّى المشهد بوضوح: النظام الأردني لم يَعُد يقف موقف الحياد من الصراع، بل بات ذراعًا أمنية في مواجهة مشروع التحرر والمقاومة، ومهمة الأجهزة باتت ملاحقة المقاومين بدلًا من الدفاع عن القدس أو كرامة الأردنيين.
لكن الأخطر أن هذه “القضية المفبركة” لم تكن سوى تمهيد لحملة أوسع، تهدف إلى تصفية حساب سياسي قديم مع جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثل آخر كتلة منظمة لا تزال ترفع لواء فلسطين والمقاومة من داخل الأردن. النظام استغل هذه الذريعة لربط الإخوان بـ”مشروع تآمري”، متهمًا الجماعة بشكل غير مباشر بإدارة “تنظيم إرهابي” يستهدف الدولة، رغم أن الوقائع لا تشير إلى أي صلة تنظيمية بين الشباب المتهمين والجماعة.
المعادلة واضحة: النظام أراد ضربة سياسية مزدوجة.
الأولى: توجيه رسالة للطرف الصهيوني بأنه “يقوم بالواجب”، ويتعقب كل من يحاول تهديد أمن الاحتلال حتى من خارج فلسطين.
الثانية: تصفية التيار الإسلامي الوطني الذي لا يزال يقاوم سياسات التبعية والانبطاح، وتحجيمه نهائيًا من المشهد السياسي.
وما جرى ليس جديدًا، بل هو استمرار لمنهج طويل انتهجه النظام منذ “وادي عربة”، حيث تحوّل الصراع من مواجهة الكيان إلى ملاحقة كل من يجرؤ على مقاومته. واليوم، يستخدم أدوات الدولة – القضاء والإعلام والأمن – لترويج رواية مفبركة تخدم فقط أعداء الأردن الحقيقيين: الاحتلال وحلفاؤه.
هذا التطور الخطير يكشف أن السلطة لم تعد ترى في إسرائيل خصمًا، بل حليفًا ضمنيًّا، بينما باتت ترى في تيارات الشعب ومقاومته خطرًا وجوديًّا يجب اجتثاثه.
السؤال الآن: من الذي يهدد أمن الأردن فعلًا؟ هل هم شبابٌ أرادوا أن يقاوموا من أجل فلسطين؟ أم نظامٌ بات يختنق تحت وطأة التبعية، ويرى في الاحتلال شريكًا، وفي المقاومة عدوًا؟
اضف تعليقا