في خطوة تكشف عن إمعان الاحتلال الإسرائيلي في التنكيل بالمقدسات الإسلامية، رفضت سلطات الاحتلال فتح أروقة المسجد الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل أمام المصلين في ليلة القدر، لتكسر بذلك تقليداً سنوياً درج الفلسطينيون على إحيائه رغم الإجراءات التعسفية. 

ويأتي هذا الرفض ضمن سلسلة متصاعدة من الانتهاكات التي تستهدف الطابع الديني والتاريخي للموقع، في سياق محاولات فرض واقع جديد يخدم المشروع الاستيطاني وتهويد المدينة القديمة في الخليل.

استهداف ممنهج لرمزية الحرم الإبراهيمي

قرار الاحتلال بمنع فتح جميع أروقة وساحات الحرم الإبراهيمي في واحدة من أعظم ليالي رمضان، لا يمكن اعتباره إجراءً أمنياً أو ظرفياً، بل هو امتداد لاستراتيجية قديمة تسعى لتكريس السيطرة الإسرائيلية على هذا الموقع الديني الإسلامي العريق. 

منذ مجزرة 1994 التي ارتكبها المستوطن باروخ غولدشتاين، وما تلاها من تقسيم ظالم للحرم بين المسلمين واليهود، بدأت سلطات الاحتلال بخطوات متدرجة لعزل المسلمين عن الحرم، ومصادرة حقهم الطبيعي في العبادة فيه.

تصريحات وزير الأوقاف الفلسطيني محمد نجم، بأن الاحتلال “يرفض تسليم الحرم بكامل أجزائه”، تؤكد أن هذا الإجراء ليس استثناءً بل أصبح سياسة ثابتة، خاصة وأن الباب الشرقي يُغلق للعام الرابع على التوالي في رمضان، ما يحرم المصلين من الوصول إلى أجزاء رئيسية في الحرم.

تغيير متعمد في الوضع القائم وفرض الهيمنة بالقوة

الاحتلال لا يكتفي بمنع المصلين، بل يسعى كذلك لتغيير معالم المسجد الإبراهيمي بشكل جذري، عبر خطوات تمهّد للهيمنة الكاملة عليه. 

مدير أوقاف الخليل جمال أبو عرام أكد أن ما يحدث “محاولة لفرض أمر واقع جديد” يستند إلى تقليص مساحة الوجود الإسلامي في الحرم، وتعزيز التواجد الاستيطاني داخله. 

ويبدو واضحاً أن الاحتلال يحاول تكرار سيناريو الأقصى، الذي تعرض لمحاولات مماثلة عبر التقسيم الزماني والمكاني، في إطار سياسة تهويد شاملة.

هذه السياسة تتجلى أيضاً في اقتصار فتح الحرم كاملاً للمسلمين على عشر مناسبات فقط في العام، رغم أن الموقع هو مسجد إسلامي خالص، يعود تاريخه إلى آلاف السنين، ويُعد من أقدس الأماكن لدى المسلمين في فلسطين.

رمضان تحت القمع.. من الخليل إلى القدس

هذا الإجراء بحق المسجد الإبراهيمي لا يمكن فصله عن مجمل السلوك الإسرائيلي في رمضان هذا العام، الذي شهد تصعيداً في القمع والمنع، وخاصة في القدس الشرقية والمسجد الأقصى، حيث فرضت سلطات الاحتلال قيوداً صارمة على دخول الفلسطينيين، ومنعت الآلاف من الوصول إلى أماكن العبادة تحت ذرائع أمنية واهية.

ويأتي كل ذلك في ظل استمرار حرب الإبادة في غزة، التي شكّلت ذريعة جديدة لتعزيز القبضة العسكرية الإسرائيلية على كل ما هو فلسطيني.

بمعنى آخر، فإن الاحتلال يستخدم الدين كأداة للسيطرة، ويُسخّر الأعياد والشعائر الإسلامية لفرض سطوته وتهميش الوجود الفلسطيني، ضمن رؤية استعمارية تستهدف الإنسان والمكان معاً.

الرباط والوجود هما الرد الأقوى

في ظل هذه الإجراءات القمعية، يتجه الفلسطينيون إلى التأكيد على أن الرباط والمشاركة الشعبية الواسعة في إحياء المناسبات الدينية، هي الرد الأهم على الاحتلال. 

دعوة وزير الأوقاف محمد نجم وأوقاف الخليل لأبناء الشعب الفلسطيني بشدّ الرحال إلى المسجد الإبراهيمي، تعكس فهماً عميقاً لطبيعة الصراع، الذي لم يعد فقط حول الأرض، بل حول الذاكرة والهوية والسيادة الدينية.

ليلة القدر التي تُفتح فيها أبواب السماء، يُغلق فيها الاحتلال أبواب المساجد، لكنه لا يستطيع أن يُغلق أبواب العزيمة الفلسطينية التي لطالما حافظت على روح المقاومة والرباط، حتى في أحلك الظروف. 

ويبقى الحرم الإبراهيمي، كما الأقصى، رمزاً لمعركة الوجود والكرامة، في وجه محتلّ لا يعترف إلا بلغة القوة، لكنه في النهاية يعجز عن طمس هوية شعب آمن بحقه في الحرية والعبادة والكرامة

اقرأ أيضًا : استشهاد براء مسكاوي.. مقاوم قسامي من قلقيلية عاد من الأسر إلى ساحات الاشتباك