العدسة – ياسين وجدي:
البحث عن الاستقرار ظهر بشكل لافت في الخطاب الغربي الرافض لقانون الغابة الذي يتصاعد في الشرق الأوسط، خاصة بعد اغتيال السعودية للكاتب الصحفي الشهيد جمال خاشقجي.

“العدسة” يسلط الضوء على خرائط الإنقاذ في المنطقة والتي يرى أنصارها أنها قد تؤدي لاستقرار أدوم خاصة في البؤر الساخنة، والتي تبنت بوصلة ثلاثية تقوم على الإطاحة بأشخاص وإسقاط مخططات،وتغيير السياسيات.

الإطاحة أولا !

تتبنى الكثير من منصات الشرق الأوسط بألوانها الفكرية المختلفة ، قائمة إطاحة بأشخاص، باتت متواترة ، وترى أنهم كانوا سببا مباشرا في الشتاء العربي الذي أطاح بمكتسبات الربيع العربي، وأدى إلى عودة الإرهاب والعنف وتقويض الاستقرار.

في مقدمة القائمة يتربع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، والذي تحوطه دائرة الإجماع العربي والغربي في آن واحد تطالبه بالرحيل ، والتي عزز مؤشراتها  المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي إي” جون برينان في تصريحاته مؤخرا بسبب الخطر الكبير الذي يمثله بن سلمان على المملكة والمنطقة ، وهو ما حذرت منه المخابرات الألمانية قبل تولي بن سلمان ولاية العهد ، وسط تقارير طبية قبل ساعات عن إصابته بالصرع وعدم صلاحيته للحكم، ومطالبات بتولي الأمير أحمد بن عبد العزيز مقاليد الملك .

ويأتي ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد منافسا في المركز الأول لحليفه بن سلمان ، حيث ترى كثير من المطالبات أن رحيل بن زايد عن المشهد يريح المنطقة كثيرا ولفترة طويلة ، بعد تورطه في جرائم الحرب في اليمن ، وتمويله للعمليات الإرهابية في المنطقة والعالم ، ومساعدته على تقويض المسار الديمقراطي في مصر ، ورعايته للموجات المضادة للربيع العربي ، وهو ما أسفر عن زيادة الارهاب والعنف وتراجع العمل السياسي ومناخ الديمقراطية وفق المراقبين.

ويتواجد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في قائمة المطلوبين للرحيل بقوة  فكثير من المعارضين والمراقبين  يعولون أن رحيله قد يساهم في تصفية الأزمة المصرية وإقرار حلول جديدة وعادلة لها تعود بالاستقرار لمصر ، خاصة بعد أن أعلن السيسي استمرار المواجهة المفتوحة مع جماعة الإخوان المسلمين التي لا ترى حلا سياسيا في وجوده مع تمسكها برئاسة الدكتور محمد مرسي .

نفس المطالب مستمرة في البحرين عبر البيانات المعارضة التي تطالب برحيل الملك البحريني  حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة بعد تورطه في مواجهة دموية مع المعارضة في البلاد.

الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بات كذلك حالة بارزة في قائمة المطلوب للرحيل فورا ، ليس بسبب سياسياته التي لم تحقق المأمول للجزائر ولكن بسبب صحته المتردية وفق ما يقول كثيرون من المعارضين ، ومن ضمنهم 14 شخصية وطنية جزائرية مرموقة وجهت رسالة مفتوحة له مؤخرا طالبته بعدم الترشح لولاية خامسة.

المعارضة السودانية يعززها أجواء التغيير المسيطرة على المنطقة ، أطلقت في نفس الإطار حملة “كفاكم” ، ضد ترشح الرئيس السوداني، عمر البشير، في انتخابات عام 2020، مشيرين إلى أن الخطوة هذه تمثل انتهاكا لدستور البلاد وتهديدا لاستقراره .

ويعتبر رحيل رئيس السلطة الفلسطنية المنتهية ولايته محمود عباس أبومازن ، مطلب العديد من أبناء الشعب الفلسطيني الذي يبحث عن البديل في ظل عقوباته المستمرة ضد قطاع غزة وفشله في إدارة الملف الدولي للقضية الفلسطينية ، حتي باتت خلافته مسألة متكررة على طاولة المشهد الفلسطيني الطامح للتغيير واستمرار المقاومة.

اسقاط المخططات !

وفي الخارطة المأمولة للشرق الأوسط تبرز مسألة اسقاط المخططات الدائرة ، وفي مقدمتها صفقة القرن ، وما يدور من نشر الإرهاب لتقويض الربيع العربي ، وحصار قطاع غزة وقطر .

وانضم إلى حراك إسقاط صفقة القرن الأمريكية ، بجانب حركات المقاومة والرفض العربي والفلسطيني السلطة الفلسطينية الحالية نفسها ، والتي ترى في تمريرها بداية اشتعال للمنطقة لا يتوقف، وهو ما أعلنه رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله قبل أيام قائلا : “إن صمودنا وثباتنا ..الخطوة الأولى لإفشال صفقة القرن ومن المستحيل أن نقبل بمقايضة الأرض والوطن بأي مال سياسي”، وهو ما جسدته مواقف حركات المقاومة خاصة حماس التي تعهدت بعدم تمرير “صفقة القرن” في فلسطين مهما كانت حجم التضحيات .

اسقاط الحصار الصهيوني عن غزة، من المعايير المهمة لدى المراقبين والمتابعين للشأن الفلسطيني والدول المؤثرة لإقرار الاستقرار في المنطقة ، وهو ما أكدته مبكرا للغاية الصين عندما دعت إلى فك الحصار للحيلولة دون تعقيد الوضع في المنطقة، وهو ما أشار إليه مرارا الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان موضحا أن “ما تفعله إسرائيل إجرام ووحشية وإرهاب دولة”، وعبر عنه بطريقته الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس واصفا ما يحدث بأنه “إحدى أشد الأزمات الإنسانية مأساوية التي رآها في إطار عمله “.

ويرى المتابعون للشأن العربي أن الحصار الجائر على قطر ، لا يخدم المنطقة أيضا ويقوض مساعي التهدئة وتعزيز أي استقرار ، ورغم نجاح قطر في شل فعالية الحصار الرباعي من السعودية والبحرين ومصر والإمارات ، إلا أن استمرار مساراته يشكل بحسب الكثيريين ومنهم نشطاء سعودييين بارزين خطورة كبيرة على الخليج العربي تتطالب التراجع عنها في أقرب وقت.

ولازالت الأهمية قصوى بحسب المراقبين ، لإسقاط المخططات  السعودية الإماراتية التي تستخدم الإرهاب والمتطرفين لتقويض ثورات الربيع العربي ، وهو ما وثقته الكثير من التقارير خاصة الدور الكبير الذي يقوم به وليي العهد السعودي والإماراتي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد في دعم الإرهاب والانقلابات العسكرية والموجات المضادة ، ولذا يرى مراقبون أن رحيل ابني سلمان وزايد بداية لتغيير دور السعودية والإمارات السلبي في المنطقة الداعم للإرهاب والرافض للديمقراطية.

سياسيات جديدة

ويطرح المعنيون والخبراء في المنطقة العديد من خرائط الطريق من أجل سياسيات جديدة تساهم في تغيير الوضع في المنطقة للأفضل ، ويرجح البعض ضرورة حدوث” ربيع جديد” لإقرار تلك السياسيات فيما يرى البعض تمريرها بتوافق بين النظامين القديم والجديد كما حال في التجربة التونسية وفق تصنيف البعض.

وفي تقدير موقف حديث للمعهد المصري للدراسات فإن الحاجة في المنطقة ملحة للتغيير الحقيقي الجذري وليس لمطالب جزئية إصلاحية لا تؤثر في منظومة الفساد والاستبداد والحكم القمعي، وهذا يتطلب مقاربة التدرّج الذكي في عمليات الإصلاح ما بعد الثورات ووجود حرية التعبير وشفافية الإدارة كعنصرين جوهريين لنظام أكثر ديمقراطية، مع التزام حازم بالتعددية بجميع جوانبها، وحق الجميع في المشاركة السياسية السلمية، وعدم احتكار الحقيقة أو السلطة، وترسيخ التداول السلمي للسلطة بصورة كاملة في الدساتير والممارسات السياسية على السواء.

ورغم القراءات المختلفة حول ما حققه الربيع العربي وما شهدته السنوات الماضية من نجاحات وإخفاقات في مسار التغيير في البلدان العربية، إلا أن القاسم المشترك بحسب ندوة لمركز الجزيرة للدراسات كان التأكيد على أن حركة التغيير في العالم العربي لم تصل بعد إلى طريق مسدود وأن الوقت لا يزال مبكرًا جدًّا للحكم على ما جرى نجاحًا أو فشلًا، وأنه طالما بقيت الأسباب التي دفعت الجماهير للخروج إلى الشوارع مطالبة بالحرية والديمقراطية والعيش الكريم، فإن حركة الثورة ستبقى مستمرة وممتدة حتى تتحقق هذه الأهداف.

وتتفق الخرائط وفق المرصود في رفع المسار الديمقراطي فوق كل المسارات مع تعزيز الحريات وحقوق الإنسان، مع إقرار عدالة انتقالية في دول الثورات كما حدث في تونس ويطالب كثيرون بحدوثه في مصر وليبيا بالتزامن مع عدالة دولية في الدول تحت الاحتلال والحرب كما الحال في سوريا التي تعاني من احتلال روسي وإيراني ، واليمن التي ترزح تحت احتلال سعودي إماراتي، وتضع المطالب الشعبية وفق خرائط الطريق المتدوالة ، الدماء كأولوية في علاج آثارها ، خاصة مع سقوط مئات الآلاف بين شهداء ومصابين في العديد من الدول.

وتساءل موقع الحرة الأمريكي البارز مع مطلع العام الحالي ” هل يشهد 2018 ربيعا شرق أوسطيا جديدا؟” ولكن يبدو أن استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية يهدد بـ “ربيع” جديد في الشرق الأوسط، وهو ما رصده تقرير حديث في مارس 2018 نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” أكد أن الشرق الأوسط يزرع بذور ربيع عربي جديد ، وأن ارتفاع مستويات الغضب الشعبي بشكل مستمر سيجعل الحنق الشعبي يصل إلى الذروة لإقرار سياسيات أكثر عدالة وإنصافا للشباب والطبقات الفقيرة، وهو الجزء الثالث في البوصلة المنشودة.