تشابه النظامان فتشابهت أفعالهما… هكذا يرى كثيرون وجه الشبه الكبير الذي يجمع بين كل من مصر والسعودية في الفترة الأخيرة، والذي يصل حد التطابق في بعض الملفات..

فما بين رغبة في تثبت أركان الحكم، وما يستتبعه من رضا أطراف دولية وإقليمية تدور مآرب النظامين في القاهرة والرياض، مدفوعين بتلك الرغبة العارمة في استتباب الأمر لهما على نحو لا ينازعهما فيه أحد.. فيقدمون التنازل تلو الآخر..

التشابه وصل إلى كل الملفات.. اقتصادية وسياسية وحتى اجتماعية ودينية.. فالموقف واحد سياسيا بعد أن كانت تجمعهما ملفات وتفرقهما أخرى.. والرؤية الاقتصادية قاربت على التطابق، ومحاولات التدثر بالدين وبعلمائه كانت أبرز ما جمعهما، وفي والوقت نفسه تشابه الطرفان في خارطة الأعداء والأصدقاء، حتى نهج العلمنة “الزاعق” صار سمة للاثنين معا..

لماذا؟

محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي هو كلمة السر في التشابه البالغ بين نظامي الرياض والقاهرة، فعلاقة الرجل بكل من محمد بن سلمان في السعودية وعبدالفتاح السيسي في مصر أفرزت تشابها كبيرا بين السعودية ومصر في التعاملات مع الملفات الداخلية والخارجية، حتى باتت الرياض مؤخرا تستنسخ أفعالا لم تكن معهودة إلا في القاهرة.

الدافع إلى التشابه بين الرياض والقاهرة هو تطلعات ابن سلمان الرامية إلى السيطرة على السلطة والوصول إلى العرش كما يعمل السيسي على تثبيت أركانه.

ولم تختلف الأدوات التي يستخدمها الطرفان، حيث إنهما متفقان على التخلص من خصومهما والقضاء على التيارات الإسلامية المعتدلة.

الزنزانة

أمعنت السلطات الأمنية بالمملكة في القمع خلال الأشهر الأخيرة خاصة بعد صعود بن سلمان إلى ولاية العهد عقب إزاحة محمد بن نايف الذي تم إعفاؤه من كافة المناصب، لتتشابه إلى حد كبير مع مصر في تعاملها مع كل من يخالف النظام.

قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن المملكة “مصممة على أن تكون الزنزانة مصيرا لمن يريدون ممارسة حرية التعبير”، بعد أن قامت باعتقال عشرات العلماء والكتاب والمفكرين والمدونين،بينهم الشيخ سلمان العودة ومحمد موسى الشريف وعوض القرني وغيرهم.

وربما تكون زنزانة المملكة أخف وطأة من نظيرتها في مصر التي يعاني القابعون فيها من أوضاع مأساوية أدت إلى وفاة نحو 500 معتقل خلال السنوات الأربع الأخيرة بسبب الإهمال الطبي والقتل البطيء الذي يمارسه النظام بحق المعتقلين، خاصة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والمحسوبين عليها.

وتستعدي الدولتان جماعة الإخوان المسلمين وتصفها بالإرهابية.. واعتقلت مصر منذ انقلاب الثالث من يوليو أكثر من 60 ألف شخص بحسب تقارير حقوقية.

حبيب العادلي وأمن الدولة

وعلى غرار جهاز أمن الدولة في مصر قررت المملكة في 20 يوليو 2017 إنشاء جهاز أمني جديد تحت عنوان “رئاسة أمن الدولة” وجعلته تابعا لرئاسة الوزراء مباشرة.

التسريبات الواردة من المملكة تشير إلى أنها استعانت بوزير الداخلية المصري الأسبق حبيب العادلي الهارب من تنفيذ أحكام قضائية لاستنساخ نظريته في التعامل مع الجماعات والحركات الإسلامية وأساليب القمع المختلفة التي كانت تمارس في السجون المصرية في عهده.

كما كشف حساب “مجتهد” الشهير على موقع تويتر عن خطة لتدريب الكوادر السعودية في ملفات الإعلام والأمن والتعامل مع التيارات الإسلامية تكون فيها مصر هي المرجع الرئيسي والمزود بالكوادر في التعامل مع هذه الملفات بهدف إبعاد أي تأثير سياسي أو ثقافي أو تربوي في الرياض لتهيئتها للتطبيع الكامل مع إسرائيل.

وبحسب ما أورده مجتهد فإن الخطة بنيت على مئات الضباط والمسؤولين المصريين ممن وصفهم بـ“المتصهينين” لتوظيفهم في الدول الخليجية لتوجيه الأمن والجيش والإعلام والمؤسسات الدينية والتعليمية وتطويع تلك المؤسسات للتطبيع مع إسرائيل.

وأشار “مجتهد” إلى وجود 600 ضابط مصري في السعودية تابعين لجهاز أمن الدولة المصري بالإضافة إلى ضباط في الجيش وطيارين ودبلوماسيين قال إنهم يعملون على تجهيز آخرين لاستلام المسئولية.

علمنة الدولة

وفي الوقت الذي يقام في القاهرة حفل يضم الشواذ والمثليين كانت في المملكة ولأول مرة تقام مجموعة من الحفلات المختلطة ووصلات الرقص، حتى علقت مجلة فورين بوليسي بسخرية على التغيرات السريعة بالمملكة قائلة: “مواكبة عائلة كاردشيان صار أسهل من مواكبة التغيير الكبير في السعودية”.

وبحسب مراقبين فإن النظامين السعودي والمصري يحاولان الترويج للعلمانية والليبرالية إلا أنهما يقومان في الوقت نفسه بأفعال تتنافى مع ما تحويه هذه الليبرالية من حرية الرأي والتعبير، وتقوم الدولتان بتكميم الأفواه وسجن الأبرياء ومصادرة الرأي.

ويرى الناشط الحقوقي السعودي يحيى عسيري أن سلطات المملكة تسوق نفسها في الخارج على أنها منفتحة في الوقت الذي لا تسمح لمواطنيها بحرية التعبير عن الرأي، مشيرا إلى اعتقال من ينتقد أفعال السلطة في المملكة، وخاصة من الكتاب وأصحاب الرأي.

وضمن رؤيتها الاقتصادية تعمل المملكة على التحول إلى مصاف الدول السياحية بإعلانها عن مشروع سياحي ضخم تحت عنوان “مشروع البحر الأحمر”.

وكانت وكالة أسوشيتد برس أعلنت على لسان مسؤولين سعوديين أن المنطقة لن يفرض فيها ارتداء الحجاب أو الفصل بين الرجال والنساء، وسيسمح في هذه المنطقة السياحية للنساء بارتداء ملابس البحر على الشواطئ.

ويتسق هذا التوجه مع تصريحات أطلقها السفير الإماراتي في واشنطن بأن بلاده والسعودية ودولا أخرى تطمح للتحول إلى مجتمعات علمانية خلال السنوات العشر المقبلة.

رؤية 2030

التوافق المصري السعودي ليس فقط في انتهاكات حقوق الإنسان والحريات بل يمتد إلى الرؤى الاقتصادية التي أعلن النظامان عنها خلال العامين الماضيين.

ففي شهر فبراير 2016 أطلقت السلطات في مصر رؤيتها الاستراتيجية التي تسعى من خلالها للنهوض بالبلاد إلى مصاف أفضل 30 دولة في العالم تحت عنوان “رؤية مصر 2030”.

لم يمر سوى شهرين تقريبا لتعلن الرياض أيضا في نهاية أبريل 2016 رؤيتها الاستراتيجية تحت عنوان “رؤية السعودية 2030” لتعكس التشابه حتى في المواقف الاقتصادية بين الدولتين.

وكما وُجِّهت انتقادات كبيرة للخطة المصرية التي وصفها محللون بأنها تستند على فرضيات غامضة وتفتقر لآليات التطبيق، وجهت أيضا انتقادات حادة للرؤية السعودية ووصفتها صحيفة فاينانشيال تايمز بأنها غير واقعية ومفرطة في الطموح.