في خطوة جديدة تفتح أبواب التساؤلات أكثر مما تجيب عنها، أعلن الاتحاد الأوروبي عن تقديم قرض ضخم لمصر بقيمة 4 مليارات يورو، في إطار ما سماه بـ”المساعدة المالية الكلية” لدعم الاقتصاد المصري، الذي يواجه واحدة من أسوأ أزماته المالية في تاريخه الحديث.

وبينما تظهر الخطوة كجزء من دعم دولي مشترك بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي، فإن الشروط المرتبطة بصرف القرض تكشف عن طبيعة المشهد الأكثر قتامة، خصوصاً مع تزايد مؤشرات الإنهاك الاقتصادي للطبقات الوسطى والفقيرة بفعل السياسات التقشفية التي ينتهجها نظام عبد الفتاح السيسي.

قروض مشروطة.. والقرار الأوروبي بين الدعم والإملاء

أوضح مجلس الاتحاد الأوروبي، في بيان رسمي، أن القرض الذي جرى التوافق عليه بين الدول الأعضاء الـ27 والبرلمان الأوروبي، سيتم صرفه على مراحل، ولن يُطلق أي شريحة منه إلا بعد تحقق ما وصفه الاتحاد بـ”تقدّم مرضٍ” من قبل الحكومة المصرية في تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي خلال الفترة الممتدة من 2024 إلى 2027.

هذا الشرط يربط بوضوح الدعم المالي الأوروبي بتنفيذ سلسلة من “الإصلاحات الاقتصادية” التي دأب الصندوق على فرضها في مختلف الدول، والتي غالباً ما تشمل رفع الدعم عن السلع والخدمات، تقليص دور الدولة الاجتماعي، وتحرير سعر الصرف، وهي خطوات تكرّس المزيد من المعاناة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين المصريين، لا سيما محدودي الدخل.

وتُعتبر هذه الخطوة جزءاً من اتفاق أوسع نطاقاً تم توقيعه بين القاهرة وبروكسل في مارس/آذار 2024، تحت مسمى “شراكة استراتيجية”، بإجمالي دعم مالي يبلغ 7.4 مليار يورو، تتضمن 5 مليارات يورو كمساعدات مالية كلية. 

وكانت مصر قد حصلت بالفعل على أول شريحة بقيمة مليار يورو في أبريل/نيسان الماضي، وسط تقارير تتحدث عن صرفها في سياقات لا تلامس الحاجات الأساسية للمواطن المصري.

أزمة مالية خانقة.. والسيسي يواصل سياسة الإغراق في الديون

منذ انقلاب يوليو 2013، تبنّى نظام عبد الفتاح السيسي استراتيجية قائمة على الاقتراض المكثّف من الخارج، حيث تضاعف الدين الخارجي ثلاث مرات تقريباً في أقل من عشر سنوات، ليصل إلى أكثر من 165 مليار دولار بنهاية 2023، حسب أرقام البنك المركزي المصري.

ورغم كل هذه القروض، لم تشهد البلاد تحسنًا ينعكس على حياة المواطنين، بل بالعكس، ازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءًا. فقد رُفعت أسعار الكهرباء والوقود بشكل متتالٍ، وأُلغي الدعم عن الخبز تدريجياً، كما أُهملت الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم.

وتأتي هذه القروض الأوروبية الأخيرة في وقت تعيش فيه مصر أزمة نقد أجنبي حادة، وسط تراجع قيمة الجنيه المصري لأدنى مستوياته، ما انعكس بشكل مباشر على الأسعار ومستوى المعيشة.

كل هذا يحدث بالتزامن مع سياسة توسع في المشروعات غير الإنتاجية مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والقصور الرئاسية، وتطوير البنية التحتية العسكرية، بينما تُترك الملفات الحيوية مثل الغذاء والتعليم والصحة في حالة إهمال دائم.

من يدفع الثمن؟ الفقراء في وجه التقشف الدولي

ربط الاتحاد الأوروبي صرف القرض بتحقيق تقدم في برنامج صندوق النقد الدولي يعني فعليًا تحميل الطبقات الفقيرة والمتوسطة مجددًا عبء الفاتورة الاقتصادية، إذ تتضمن هذه البرامج غالبًا إجراءات مثل:

  • رفع أسعار الخبز والطاقة تدريجيًا.
  • تقليص الإنفاق الحكومي على التعليم والصحة.
  • زيادة الضرائب غير المباشرة كضريبة القيمة المضافة.
  • التوسّع في خصخصة الشركات العامة وبيع الأصول الوطنية.

ومع أن الحكومة تروّج لمثل هذه الخطوات على أنها “إصلاحات ضرورية”، فإن النتائج على الأرض تشير إلى مزيد من التهميش الاقتصادي لملايين الأسر، وانخفاض في القوة الشرائية، وارتفاع في معدلات البطالة والبطالة المقنّعة.

في هذا السياق، تبدو القروض الأوروبية ليست أكثر من جرعة تسكين مؤقتة لمريض في حالة نزيف اقتصادي حاد، بينما يستمر النظام في الإنفاق بلا رقابة حقيقية، دون مساءلة شعبية أو برلمانية تضمن شفافية استخدام هذه الأموال.

الدعم المشروط.. شراكة أم تبعية؟

من الواضح أن ما يُسمّى بـ”المساعدة الأوروبية” ليس سوى وجه آخر للهيمنة المالية والسياسية التي تمارسها القوى الكبرى على الدول المتعثرة اقتصاديًا، خاصة في الجنوب العالمي. 

في الحالة المصرية، نجد أن المليارات التي تتدفق إلى خزائن الدولة لا تصبّ في مصلحة الشعب، وإنما تُستخدم كأداة لإبقاء النظام السياسي قائمًا، مقابل تنفيذ أجندات خارجية، تبدأ من السياسات الاقتصادية وتنتهي عند الملفات الإقليمية المعقّدة مثل الهجرة، و”مكافحة الإرهاب”، والتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

وهنا يصبح السؤال مشروعًا: إلى متى يستمر الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد في دعم نظام يُغرق بلده في الديون، ويقمع معارضيه، ويفقر شعبه؟

اقرأ أيضًا : حفتر يلتقي بوتين ومسؤولين روس في موسكو بدعم إماراتي مشبوه