في تحول مفصلي يكشف مزيدًا من الحقائق حول جرائم النظام السوري، أزاح “قيصر”، الرجل الذي هزّ العالم بصوره المسربة لمعتقلي سجون النظام السوري، الستار عن هويته للمرة الأولى. 

فريد المذهان، المساعد أول في الشرطة العسكرية السورية، خرج عن صمته بعد أكثر من عقد على انشقاقه، مؤكدًا أن عمليات التصفية الممنهجة كانت تُنفذ بأوامر مباشرة من أعلى هرم السلطة.

من هو قيصر؟ رحلة الانشقاق والتسريب الخطير

ينحدر فريد المذهان من محافظة درعا، مهد الثورة السورية، وكان يعمل كرئيس قسم الأدلة القضائية في الشرطة العسكرية بدمشق. مع اندلاع الثورة في 2011، بدأ النظام بتصفية المعتقلين بوحشية، وأُجبر المذهان على تصوير الجثث كجزء من عمليات التوثيق الأمني. لكن مع اتساع رقعة القتل والتعذيب الممنهج، قرر تسريب الأدلة على هذه الجرائم.

في عام 2013، وبعد عامين من عمله السري، استطاع “قيصر” الفرار من سوريا حاملًا معه أكثر من 55 ألف صورة توثق مقتل 11 ألف معتقل، في واحدة من أكبر عمليات تسريب الأدلة الجنائية ضد نظام بشار الأسد. 

أظهرت الصور جثثًا تحمل آثار التعذيب والتجويع، وأخرى تم إعدامها ميدانيًا، ما شكل صدمة عالمية حول حجم الانتهاكات التي يرتكبها النظام السوري.

“قانون قيصر”.. تداعيات التسريب وضربة اقتصادية للنظام

لم يكن خروج الصور إلى العلن مجرد فضيحة إعلامية، بل تحولت إلى ورقة ضغط دولية. في عام 2014، قدم “قيصر” شهادته أمام الكونغرس الأمريكي، ما دفع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد نظام الأسد. وفي عام 2019، أقر الكونغرس قانون “حماية المدنيين السوريين”، المعروف باسم “قانون قيصر”، والذي فرض عقوبات اقتصادية خانقة على النظام السوري وكل من يتعاون معه، مستهدفًا القطاعات المصرفية والطاقة والبنية التحتية.

أدى القانون إلى تضييق الخناق على اقتصاد النظام المتهالك أصلًا، وعزز عزلة الأسد دوليًا، حيث أصبح أي تعاون اقتصادي معه مكلفًا لأي دولة أو كيان. كما تسبب القانون في تفاقم الأزمة المعيشية داخل سوريا، ما زاد من الضغط الشعبي على النظام المخلوع.

اعترافات صادمة: أوامر التصفية من رأس النظام

في حديثه لبرنامج “للقصة بقية”، كشف المذهان عن تفاصيل مرعبة حول آلية التعذيب داخل سجون الأسد. أكد أن عمليات التصفية كانت تُنفذ بأوامر مباشرة من رأس النظام، وأن قادة الأجهزة الأمنية كانوا يتباهون بصور الجثث كدليل على ولائهم للأسد. كما أوضح أن المشرحة العسكرية في مستشفى تشرين كانت أول موقع وثق عمليات القتل الجماعي لمتظاهرين من درعا في 2011، حيث بدأت عمليات توثيق الموتى بناءً على توجيهات أمنية.

وكشف “قيصر” أيضًا عن عمليات الابتزاز التي كان النظام يمارسها ضد أهالي المعتقلين، حيث كان يتم إخفاء مصير المعتقلين أو بيع جثثهم لعائلاتهم مقابل أموال طائلة، دون الكشف عن أي تفاصيل حول ما حدث لهم.

نهاية حقبة الأسد: دمشق تسقط في قبضة المعارضة

تأتي اعترافات المذهان في وقت حساس للغاية، إذ شهدت سوريا تطورات غير مسبوقة، مع دخول فصائل المعارضة إلى العاصمة دمشق وسيطرتها عليها فجر الأحد 8 ديسمبر. هذا التطور يعزز فكرة أن النظام بات عاجزًا عن التحكم بمصيره، خاصة مع استمرار الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية الناتجة عن قانون قيصر.

يكشف هذا المشهد عن نهاية حقبة الأسد، التي تلطخت بجرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية، ويفتح الباب أمام احتمالات جديدة لمستقبل سوريا، حيث قد يتحول “قيصر” من مجرد شاهد على جرائم النظام إلى أحد أهم الشخصيات التي ساهمت في إسقاطه.