إبراهيم سمعان

سلط الكاتب الإسرائيلي “تسفي برئيل” في مقال بصحيفة “هاآرتس”، الضوء على الخطة الخبيثة التي يحاول السيسي تنفيذها للقضاء على الأزهر، الذي يعتبر الآن شوكة في حلقه؛ حيث يرى السيسي أن شيخ الأزهر يقوض سياسته الموالية لإسرائيل، ويعارضه في الكثير من الأمور، ودعا الكاتب السيسي للحضور إلى إسرائيل، وتقديم نصائح لإسرائيل في هذا الصدد.

وإلى نص المقال

عبر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عن سأمه ( ضيقه) من رئيس أهم مؤسسة دينية في مصر، إن لم يكن في العالم الإسلامي بأكمله، بعد أن أخبره خلال لقاء عام: “تعبتني يا فضيلة الإمام”، وفيما بعد دفع وزير التعليم “طارق شوقي” للخروج بإعلان درامي، الشهر الماضي، بأن وزارته تدرس إمكانية دمج التعليم العام والأزهري.

كان الإعلان عن الدمج بمثابة بالون اختبار تجريبي نتج عنه انفجار كبير، فلا أحد يعتقد بجدية حدوث خطوة الدمج تلك؛ لأن ذلك من شأنه أن يعني وجود نظام موحد للتعليم المصري، تكون فيه الدراسات والمواد الدينية اختيارية، على عكس الوضع الحالي، يدرس فيها الطلاب جميع المواد الدينية بشكل إجباري في الأزهر.

كما أن من شأن خطوة الدمج تلك أن يتم محو التعليم الأزهري من الأساس، والذي يضم في صفوفه مليوني طالب بجميع المستويات.

من جهته، سارع وزير التعليم بنفسه إلى نفي وجود مثل هذه الخطة، رغم أنه كان الشخص الذي قدمها للجنة شؤون التعليم بالبرلمان.

الأزهر، ليس فقط مؤسسة دينية مهمة، فهو يسيطر على 9000 مؤسسة تعليمية من الحضانة وحتى الجامعة، ويتدخل قادة المؤسسة في بعض الأحيان في الأمور السياسية، وحدث هذا عندما رفض شيخ الأزهر تكفير تنظيم الدولة “داعش”، زاعمًا أنه لا يمكن تكفير أحد من المسلمين بذنب، حتى لو كان من الكبائر.

كما انتقد شيخ الأزهر الرئيس عبدالفتاح السيسي لتوجيه قواته الأمنية لتفريق مظاهرات بالقوة، احتشدت من قبل جماعة الإخوان المسلمين .

لكن الخلافات بين الطرفين (شيخ الأزهر والسيسي) بلغت ذروتها في فبراير 2017، عندما طالب السيسي بتشريع يمنع وقوع الطلاق الشفهي، ورد الأزهر في بيان، أن الطلاق الشفهي صحيح، وفقًا للشريعة الإسلامية، ولا يمكن إبطاله.

وخلال العام الحالي، أغضب شيخ الأزهر السيسي مرة أخرى، عندما رفض مقابلة نائب الرئيس الأمريكي “مايك بنس”، بسبب اعتراف “ترامب” بالقدس عاصمة لإسرائيل، بعد ذلك أدرك السيسي فجأة – الذي يريد بناء خطاب ديني جديد حديث ومعتدل، من شأنه أن يكون كحاجز ضد المتطرفين- أن المؤسسة نفسها التي أعطت له شرعية دينية، تقوم بسد الطريق في وجهه لتنفيذ إصلاحاته، وتحاول تقويض سياسيته الموالية لأمريكا.

لقد قام الأزهر، الذي تأسس في القرن العاشر الميلادي، بجذب الطلاب وعلماء الدين من جميع أنحاء العالم، وظل مؤسسة مستقلة حتى عام 1961، عندما أصدر عبد الناصر قرارًا بتطوير الأزهر، وتحويله إلى جامعة تدرس العلوم الحديثة المدنية مع العلوم الشرعية.

وفي المقابل، منح الأزهر السلطة لفرض الرقابة على جميع الأمور الثقافية في كل ما يتعلق بالدين، وسلطة إدارة تنظيم التعليم، بالإضافة إلى الكليات والدراسات الدينية.

وعلى مر السنين، تعرض الأزهر لانتقادات شديدة من قبل علماء الدين والحركات الإسلامية المتطرفة، التي اعتبرت أن علاقته التكافلية مع النظام بمثابة وضع شاذ لا يتوافق مع صحيح الدين، وعلى الرغم من الانتقادات فقد استفاد كلا الجانبين من العلاقة .

لكن عندما بدأت أصوات معارضة لسياسات السيسي في الظهور من الأزهر، لاسيما فيما يتعلق بخطط الخطاب الديني، أصبح قاسيًا وانتقد الأزهر بشدة.

لا أحد يشك أن اقتراح الوزير بدمج النظامين التعليميين، هو أمر طرحه السيسي، ويقف وراءه.

وقال عباس شومان، مدير الأزهر: هذا الاقتراح غير دستوري، وقال متحدث باسم الأزهر: هذا القرار لا يمكن أن يصدر عن وزير التعليم؛ لأن رئيس الوزراء هو المسؤول عن ذلك.

وراء هذه الحجج الإجرائية تكمن الحقيقة، وهي أن نظام الأزهر التعليمي هو مورد دخل مهم، وإذا تم دمجه في التعليم العام، سيفقد قياداته والمدرسون والمفسرون سبل معيشتهم.

ومن أجل منع هذه الخطوة، التي لم تبدأ أصلًا على أرض الواقع، أوضح المتحدثون باسم الأزهر، أن المؤسسة تشكل عنصرًا مهمًّا من القوة الناعمة لمصر، حيث يلتحق الطلاب من أكثر من 105 بلدان لمتابعة الدراسة في الأزهر، ويصبح الخريجون قادة في بلدانهم.

وهناك حجة أخرى، وراء دفع الدولة المصرية بمقترح الدمج، وهو الأصوات العلمانية التي تعارض مصر كدولة ذات قيم، ويرون أن الأزهر حصن من الضروري التخلص منه، إضافة إلى ذلك، يقول المعارضون إن دمج الأنظمة سيعني أن الطلاب لن يختاروا المواد الدينية، وسيركزون على المناهج الإجبارية التي يضعها النظام العام.

وهذا من شأنه أن يؤدي إلى فقدان التراث الديني، الذي يشكل جزءًا من الهوية الوطنية لمصر، ويتمثل الجدل المضاد، في أن الأزهر يجتذب الطلاب الأضعف، الذين يسعون للتخلص من متطلبات نظام التعليم، مما يديم أوجه القصور التعلمية والعلمية في البلاد.

لن يغير السيسي قريبًا نظام التعليم أو طريقة التعليم في مصر، والتي تتخلف كثيرًا عن البلدان الأخرى، ولكنه رفع سيف النضال عاليًا ضد التيارات “الراديكالية” الدينية، إن نهج السيسي في هذا الصدد يكتسب زخمًا يومًا بعد يوم، وإذا لزم الأمر سيفرض الرئيس المحتوى الذي يراه صحيحًا على الأزهر أيضًا.

وربما عندما يكون لدى السيسي وقت، فإنه يستطيع أن يأتي إلى إسرائيل ويعطينا بعض النصائح.