نولد قطعة عظم يكسوها اللحم .. تتنفس .. لا نفقه شيئاً ولا نعي معني الوجود أو العدم .. تتحرك أعيننا وتجوب .. دون أن تدركـ معني البحث عن شئ ما
بالكاد نسمع صوت العالم الصغير الذي يحاوطنا في أرجاء المنزل
لا نفهم شيئاً لكننا نشعر ..
نشعر بأول ضمة صدر لأمهاتنا .. نشعر بأول نظرة عين من آبائنا .. لا نفهم المعاني لكنها تصل إلي قلوبنا
ومع الأيام نكبر وتزداد أعمارنا عاماً بعد عام ..ندرك الأشياء .. ومعهايقل شعورنا ويتناقص ميزان الحب في قلوبنا
نصير كالدمي نتحرك .. ننفذ .. ننطق لكننا لا نشعر
في عالم ضجت فيه أصوات الحرب والكراهيه ، وتوسعت فيه دائرة الدماء .. أني فيه لنا بسماع صوت الحب
صاحب الصوت الخافت والنسمة العابره ..
في عالم يجاهد كل منا لكسب المزيد من المال والسلطة والنفوذ والعلو المفتعل ..
ولا يلحظ أحداً أن هناك نوع آخر من الجهاد غائب ..
حين نكون يا صديقي في مثل هذا العالم يكون الجهاد في سبيل الحب فرض
وحين تجف حياتنا من كل شئ .. ونفقد كل سبيل للوصول لما نريد ومن نريد ..
يجب أن نرتوي بالحب .. لنزهر من جديد
وكيف لنا أن لا نفعل وهو السبيل للنجاة من ضيق الأرض والسكني فـ السماء .. ؟!
فتشعر به أنك لست أنت
وأنكـ لست من يملكـ القلب ويحمله بين جوانب الصدر بل هو من يملككـ ويحملك
لتجد نفسك وقد جاورت القمر في سكناه وصادقت النجوم
فها هو الحبيب يهبط من الجبل .. إلي بيت خديجة
يرتعش .. وقد تزلزل صدره من هول ما يشعر ..يرتجف فؤاده ..
يردد زملوني ..زملوني
وما كان منها إلا أن أصابته بشئ من قوتها .. ” والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين علي نوائب الحق ”
وأسدلت عليه فيضاً من حبها ..فاطمئن وهدأ
فإذا به يصرح ” إني رزقت حبها”
ولم يقل إني رزقت حسبها أو نسبها وهي ذات الحسب والنسب ..
فأي شئ تري فعلته خديجة ليقول فيها النبي الذي لا ينطق عن الهوي ..قوله هذا !؟
تري أهناك شئ أعظم من حبها له .. ليقابلها هو الآخر بفيض من الحب قولاً وفعلاً !
ويظل وفياً لحبها بعد فراقها ..فتراه إذ ذبح الشاة يقول ” أرسلوا بها إلي أصدقاء خديخة ”
ويظل يذكرها عشيةً وضحاها ..لا تفارق ذهنه ولا وجدانه أبداً
وذلك في حديث عائشة قالت كان رسول الله صلي الله عليه وسلم :لا يكاد يخرج من البيت حتي يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها فذكرها يوما من الأيام فأخذتني الغيرة فقلت :” هل كانت إلا عجوزاً قد أبدلك الله خيراً منها ”
فغضب ثم قال :” لا والله ما أبدلني الله خيراً منها ..آمنت بي إذ كفر الناس وصدقت إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء ”
وها هو يصف حبه لعائشة أم المؤمنين “بالعقده” ونعم الوصف .. !
فهو حقاً عقده يصعب فكها أو الفكاك منها بأي حالٍ من الأحوال .. فلا مهرب منه إلا إليه !
وها هو أبو العاص يقول يا رسول الله “ماعدت أطيق الدنيا بغير زينب ” ويلحق بها بعد وفاتها بعام ..
حيث تصير حياتك بحياة من تحب .. وموتك مقرون ببعده أو فراقه
وها هو الرافعي يحب مياً أياماً وأعوام ويرفض من سواها .. رغم علمه بأنها لن تكون له يوماً .. وأن حبه لها لم يتصل أبداً بحبها له ..ثمـ يموت وهو ع العهد
وهذه مي تحب جبران .. ولا وصال بينهما سوي الرسائل
تكتبها ..ويكتبها وكلاهما يعلم أن الحروف وإن جمعت بين الأرواح المتشابهة إلا أنها تقف عاجزة عن ترتيب المشهد .. وجمع المحبين في لقاء
الحب يا صديقي هو أنك قد لا تعرفني ولا أعرفكـ ولكن هناك وطن مشترك يجمع كلانا ..
وطن لا يعبأ بالتوقيت ولا المكان
لا يضع شروطاً ولا يعرف مساومات ولا اتفاقات
لا يبالي بالإختلاف والخلاف ولا الحروب التي تدور في جميع الأركان
الحب هو أن تخاف علي محبوبك من أن يعبر ظلام الحزن وحده .. فتنير إليه درب السعاده بحبك ..ليصل لبر الأمان
أن تسير خلفه تارة لتحميه من تقلبات الزمان ..ومن أمامه تارة آخري لتشد عليه بكلتا يداك ..لتحمله علي أن يقف علي قدميه مرة ثانيه بعد كل إنكسار
هو أن تنظر لعيناه.. فتقرأ ما يخبأه قلبه دون أن تحمله عناء نطق وترتيب الحروف والكلمات
الحب مجملٌ بتفصيلات لا تدرك ..
تؤمن بالله حباً وتعلقاً برحمته في المقام الأول ثم يأتي بعد ذلك الخوف من عذابه وعقابه
الحب هو ذاكـ الطير الذي يحلق في السماء ثم يدنو إلي زهرةٍ ..يستنشق عبيرها في خفة وهدوء دون أن يؤلمها بثقله ..ثم يرحل في سلام
الحب هي تلك الشجرة التي تسند مثيلاتها .. حتي لا تسقط وتنهار
الحب يا صديقي هو أن يصير الكون ممتلأ بمحبوبك فارغاً دونه
الحب داء القلب ودواه .. منه يذاق العذاب وبه يشفي ويصيبك كفلاً من السعادة والهناء
الحب ليس رقماً حسابياً وإنما معادلة صعبه ..لا يدري بصعوبتها إلا من ذاق ألم الفراق وحن وأشتاق لذوق حلاوة اللقاء
وصدق الرافعي إذ يقول :” لا يصح الحب بين اثنين إلا إذا أمكن لأحدهما أن يقول للآخر.. يا أنا ”

الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر ” العدسة