في مشهد يؤكد على تطور أساليب المقاومة وتعقيد تكتيكاتها، نفذت سرايا القدس – الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي – كمينًا نوعيًا مركبًا ضد قوة إسرائيلية راجلة ومتحركة في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من الجنود والضباط، وفق ما أكدته مشاهد بثتها قناة الجزيرة وتفاصيل ميدانية أدلى بها قادة ميدانيون في المقاومة.
تفاصيل الكمين: حقل ألغام وتفجير دبابة واشتباكات عن قرب
العملية التي وُصفت بأنها واحدة من أكثر الكمائن تعقيدًا منذ بداية الحرب على غزة، بدأت بتجهيز حقل ألغام مكون من ست عبوات ناسفة مضادة للدروع، زُرعت في مربع الهدى بشرق حي الشجاعية، المنطقة التي توغلت فيها قوات الاحتلال.
تم رصد تحرك الرتل الإسرائيلي المكون من آليات وجنود، وعند لحظة التمركز والانكشاف، جرى تفجير العبوات في مشهد وثقته الكاميرات، ما أدى إلى تدمير عدد من الآليات وانسحاب بقية القوة بشكل هستيري إلى داخل المنازل المجاورة.
لكن ذلك لم يكن سوى المرحلة الأولى، إذ أظهرت لقطات خاصة خروج مجموعة من مقاتلي السرايا من نفق أرضي تم حفره خلال ثلاثة أيام فقط، لتنفيذ المرحلة الثانية من الكمين: استهداف قمرة قيادة إحدى الدبابات بقذيفة “آر بي جي”، أعقبها استهداف منزل تحصن فيه 10 جنود بصاروخ موجه من طراز “107”، ما أدى لاشتعال النيران فيه بالكامل.
المرحلة الثالثة كانت الأشد فتكًا، إذ استهدف المقاومون منزلًا آخر اختبأ فيه نحو 20 جنديًا وضابطًا بقذيفة “TBG” الروسية الصنع والمخصصة لاختراق التحصينات. ثم دارت اشتباكات بالأسلحة الرشاشة من مسافة صفر، فيما أظهرت المشاهد هلع الجنود، بعضهم يحاول الفرار وآخرون يصرخون طلبًا للنجدة، قبل أن تتدخل مروحيات إسرائيلية لإجلاء القتلى والجرحى تحت غطاء ناري ودخان كثيف.
اعترافات ميدانية وتكذيب للرواية الإسرائيلية
قائد عملية الشجاعية في سرايا القدس قال في تصريحات حصرية لقناة الجزيرة، إن العملية استهدفت ما لا يقل عن 40 جنديًا وضابطًا إسرائيليًا، مشيرًا إلى أن معظمهم سقطوا بين قتيل وجريح في كمين كان مطابقًا تمامًا لمسرح العمليات المتوقع.
وأضاف أن مقاتلي السرايا كانوا يملكون معلومات دقيقة عن توقيت وخط سير التوغل الإسرائيلي، ما مكّنهم من الإعداد المحكم للحقل الناسف وتحديد أماكن التمركز وفتح خطوط النيران. كما أكد أنهم عاينوا جثثًا متفحمة لجنود وضباط، متهمًا جيش الاحتلال بالتكتم على الخسائر، كعادته، تفاديًا لتأزيم الجبهة الداخلية.
وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي قد أعلنت مؤخرًا عن مقتل 30 جنديًا وضابطًا في غزة منذ منتصف مارس، 21 منهم على الأقل قضوا بانفجار عبوات ناسفة. لكن المقاومة تشير إلى أن الأعداد أكبر بكثير مما يُعلَن رسميًا، خاصة في ضوء عمليات من هذا النوع، التي يصعب إخفاء آثارها.
تحول تكتيكي يعكس وعيًا استخباراتيًا وتفوقًا ميدانيًا
ما يميز هذا الكمين أنه لم يكن وليد الصدفة أو ضربة حظ، بل جاء نتاجًا لتخطيط استخباراتي ميداني دقيق، وإبداع قتالي في استخدام الأنفاق والعبوات والأسلحة المضادة للدروع والتحصينات في توقيت متزامن ومكان محكم.
الكمين يعكس تطورًا نوعيًا في أداء سرايا القدس، التي كثفت في الأسابيع الماضية من نشر مقاطع مصورة لعملياتها شمال وجنوب القطاع، في محاولة واضحة لرفع معنويات الشارع الفلسطيني وكشف حجم الخسائر التي يتكبدها جيش الاحتلال.
كما يشير إلى تحول في عقيدة المقاومة من الدفاع الثابت إلى الهجوم المنظم والكمائن المركبة، خاصة في المناطق التي حاول الاحتلال إعلان “السيطرة” عليها، مثل الشجاعية أو تل الهوا أو أجزاء من رفح.
ورغم التفوق الجوي والناري الإسرائيلي، تُظهر هذه العمليات الميدانية المتكررة – كما في كمين الشجاعية – مدى الإرباك الذي تعانيه وحدات النخبة الإسرائيلية في بيئة قتالية فقدت فيها عنصر المفاجأة وأصبحت هدفًا يوميًا للعبوات والكمائن والاشتباكات المباشرة.
أثر استراتيجي.. وتداعيات مفتوحة
تعدّ عملية الشجاعية بمثابة رسالة مزدوجة: الأولى موجهة لجيش الاحتلال بأن الحرب في غزة لن تُحسم عسكريًا، وأن كل توغل يقابله ثمن باهظ. والثانية للمجتمع الإسرائيلي الذي بات يسمع بشكل يومي عن سقوط جنود وضباط في عمليات وصفها الإعلام العبري بـ”الدامية والمؤلمة”.
وفي السياق ذاته، فإن كشف مشاهد العملية بهذا الشكل يضع القيادة السياسية والعسكرية في تل أبيب تحت ضغوط إضافية، لا سيما مع اقتراب مفاوضات وقف إطلاق النار، وما يتطلبه ذلك من إظهار إنجاز ميداني لتبرير التراجع أو القبول بشروط التهدئة.
أما ميدانيًا، فإن العملية مرشحة لأن تفتح بابًا لعمليات مماثلة في مناطق أخرى، مما يعيد للأذهان حرب الأنفاق والكمائن في 2014، ولكن هذه المرة مع فارق أساسي: المقاومة أصبحت أكثر احترافية، والاستخبارات الميدانية أكثر دقة، وجيش الاحتلال أكثر إنهاكًا وارتباكًا.
وفي ظل هذا الواقع، يبقى السؤال المطروح: هل باتت غزة هي من يفرض قواعد الاشتباك على الأرض، فيما يتراجع الاحتلال إلى موقع الدفاع والحذر؟
اقرأ أيضًا : الاحتلال والإمارات يتسببان في كارثة إنسانية: طفل يُقتل أو يُشوّه كل 15 دقيقة في الشرق الأوسط
اضف تعليقا