أعلن البنك المركزي المصري في شهر مارس الماضي عن زيادة نسبة الفائدة 1% لأول مرة منذ 5 سنوات وانخفاض سعر الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي.. ما أحدث زلزال في الأوساط المصرية من تخوفات عما هو قادم في ظل الأزمات المتتالية التي يمر بها الاقتصاد المصري.. أعقب ذلك مباشرة طرح البنك الأهلي المصري شهادة بلاتينية سنوية، وبنك مصر الذي طرح  شهادة طلعت حرب ذات العائد الشهري يقدر ب 18% تبدأ من 1000 جنيه ومضاعفاتها وكذلك يمكن شراؤها للقُصّر والاقتراض بضمانها وإصدار بطاقة ائتمان بضمانها.. فهل تساعد حقاً تلك الشهادات المصريين على تجاوز الأزمة الإقتصادية والتغلب على التضخم وارتفاع الأسعار أم هي عملية لجمع أموال المصريين الذين يتحملون ضريبة قرارات الحكومة؟! .. علاوة على ذلك هل الشهادات المقدمة من البنوك هي إحدى عوامل مواجهة الأزمة من قبل الحكومة ؟! أم أنها عامل سلبي على الاقتصاد المصري المتدهور؟!.

 

إقبال كبير وإغراء للمستثمرين 

فور إعلان البنك المركزي عن الشهادات، أقبل المصريين بكثرة للاستثمار فيها، لأنها طبقاً لرواية البنوك هي شهادات ادخارية تتمتع بمعدل عائد ثابت طوال مدة الاحتفاظ بالشهادة، ويتم احتساب المدة اعتباراً من يوم العمل التالي للشراء، وبالتالي فقد حظيت بإقبال العملاء، فقد وصل إجمالي حصيلة البنك فقط من بيع الشهادات الجديدة ذات العائد 18% إلى 122 مليار جنيه في أول 7 أيام فقط من طرحها.

ليس ذلك فحسب فقد أعلن البنك فئات الشهادة تبدأ من 1000 جنيه وتصدر للأفراد الطبيعيين أو القُصّر، كما يمكن الاقتراض بضمان الشهادة بالإضافة إلى إمكانية إصدار بطاقات ائتمانية بضمانها، ويمكن استرداد الشهادة بعد مضى 6 شهور اعتبارًا من يوم العمل التالي لتاريخ الشراء، كما يمكن شراء الشهادات من أي فرع من فروع البنك التي يصل عددها إلى أكثر من 750 فرعًا ووحدة مصرفية منتشرة بجميع أنحاء الجمهورية.. كل هذه المزايا والإغراءات طرحتها البنوك لجذب العملاء الذين أصيبوا بنوبة من الهلع على مدخراتهم بسبب التدهور الاقتصادي والحالة الجنونية من ارتفاع الأسعار، فتمنوا أن يكون الحل في الشهادات الإستثمارية.

 

كارثة الشهادات الإستثمارية

رغم حديث البنوك عن المزايا التي امتازت بها الشهادات الإستثمارية إلا أنه في حقيقة الأمر هي كارثة أخرى من كوارث النظام المصري الذي يسوق للحلول المؤقتة في حين تبقى المشكلات المتأصلة في الاقتصاد علاوة على ذلك فإن الفائدة التي يرغب بها العملاء هي فائدة صورية، لأن النظام المصري لا يحتوي التضخم ولا يخفض الأسعار بسبب عدم وجود الرقابة وضعف الإنتاج وبالتالي سترتفع الأسعار أكثر وسيكون العائد لدى المستثمر “الذي يظنه كبيراً” لن يجدي وسوف تبتلعه الأسعار.

ليس ذلك فحسب فقد أشار محللون اقتصاديون إلى أن حصيلة هذا المبلغ الذي تم جمعه من الشهادات والذي يتجاوز 33 مليار دولار سوف توجه لإقراض الحكومة، وليس لمشروعات اقتصادية، وبالتالي الديون ستزداد ويضعف الإنتاج أكثر ويزداد الأمر سوءاً برمته على المواطن المصري على كاهل الدولة المثقلة بالديون.

 

تدمير للقطاع الخاص 

يشير اقتصاديون إلى أن حبس الأموال في شهادات ادخارية مرتفعة العائد، سيؤدي إلى عدم خلق وظائف جديدة، مع الأخذ في الاعتبار استمرار تراجع أداء القطاع الخاص، لأنها ستدفع أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة نحو تصفية أعمالهم ووضع أموالهم في البنوك، للحصول على تلك الفائدة، وبالتالي إحباط جهود بعض الراغبين في إنشاء مشروعات صغيرة من المغامرة في إنشاء مشروعه الخاص.. وهو ما حدث بالفعل، فخلال شهر نيسان/ أبريل الجاري، سجل مؤشر مديري المشتريات الرئيسي بمصر الذي يقيس أداء القطاع الخاص غير النفطي، تراجعاً جديداً، حيث وصل إلى أدنى مستوى له في 21 شهرا بنحو 46.5 نقطة، أي أقل من 50 نقطة وهي الحد الفاصل بين النمو والانكماش، وكان السبب الرئيس هو معاناة الشركات من أسوأ انخفاضات في الإنتاج والطلبات الجديدة.

الخلاصة يسعى النظام المصري إلى جمع مدخرات الشعب الذي يتخبط جراء القرارات الاقتصادية التي أثقلت كاهله ويحاول النظام إظهار الحلول المؤقتة للتغطية على قراراته المدمرة للاقتصاد المصري من خلال شهادات استثمارية بعائد مرتفع ظاهرياً ومدمر للفرد والدولة والقطاع الخاص باطنياً.