تتزايد قوة العلاقات بين قائد الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، والكيان الصهيوني، منذ عدة أشهر. ومن الواضح أن الخاسر الأكبر من هذا التطبيع والتعاون المتنامي بين الطرفين هو قطاع غزة المحاصر.

فمنذ أيام، أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينيت، عن خطوة أخرى متقدمة في العلاقات مع مصر بعد أشهر من زيارته الأولى للقاهرة في سبتمبر 2021. وقال بينيت إن “التعاون بين الطرفين آخذ في التوسع في العديد من المجالات، وهذا يسهم في استقرار الشعبين واستقرار المنطقة”، في إشارة إلى بدء الرحلات الجوية الإسرائيلية المباشرة إلى شرم الشيخ على ساحل البحر الأحمر.

وفي منتصف فبراير/ شباط من هذا العام، نال السيسي إشادة من حكومة الكيان الصهيوني على تحيته الخاصة لوزيرة الطاقة الصهيونية، كارين الهرار، خلال افتتاحه مؤتمر ومعرض مصر الدولي للبترول “إيجبس 2022”. وحينها، انتشر تسجيل فيديو بشكل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر ترحيب السيسي، بكارين بشكل لافت. 

وبحسب الفيديو، فإنه وبعد دخول السيسي إلى القاعة وترحيبه بالحضور، غادر مكانه المخصص له ليتوجه نحو وزيرة الطاقة الإسرائيلية التي كانت تجلس على كرسيها المتحرك في طرف القاعة. وبعد أيام قليلة من هذه الواقعة تبين أن حكومة الاحتلال وافقت على طريق نقل جديد لصادرات الغاز إلى مصر.

 

تحالف إقليمي بعد انقلاب دموي

وكما يعلم الجميع، فقد صعد السيسي إلى السلطة على ظهر دبابة، في انقلاب عسكري حظي بدعم سياسي من دولة الاحتلال الإسرائيلي وتلقى دعمًا من الإمارات والسعودية. وعندها تشكل تحالف إقليمي جمع الكيان الصهيوني والسعودية والإمارات ومصر. وحتى يومنا هذا، يعمل هذا التحالف بشكل وثيق في العديد من المشاريع الإقليمية. 

فقد عملت القاهرة وأبو ظبي على تدبير انقلاب في تونس يوقف مسيرتها الديمقراطية، كما أنهما تدعمان مجرم الحرب خليفة حفتر في ليبيا، كذلك أعلنت دولة الاحتلال في يناير/ كانون الثاني 2020 أنها ستبدأ في تصدير إمداداتها من الغاز إلى مصر. وفي سبتمبر/ أيلول من نفس العام، وقعت أبو ظبي اتفاق تطبيع مع تل أبيب.

وفي أثناء ذلك، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية ألا تتصادم مع نظام السيسي بسبب مصالحها معه. فقبل يوم واحد من إعلان الكيان الصهيوني عن تحركه الأخير لتعزيز العلاقات مع مصر، وافقت الولايات المتحدة على بيع طائرات مقاتلة من طراز F-15 إلى مصر. وبينما ألغت واشنطن حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 130 مليون دولار بسبب مخاوف من انتهاك حقوق الإنسان في مصر، وافقت أيضًا على بيع أسلحة بقيمة 2.5 مليار دولار.

ويرجع السبب الرئيسي وراء الحاجة إلى دعم الولايات المتحدة لمصر هو الدور الذي يمكن أن يلعبه السيسي في الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني. حيث يعد السيسي أحد العناصر الأساسية في الحفاظ على حصار إسرائيلي لغزة، الذي بدأ عام 2006 بعد فوز حماس في الانتخابات البرلمانية ليصبح حصارًا منسقًا في عام 2007، بعد سيطرة حماس على القطاع، عقب فوزها في الانتخابات.

وبعد العدوان الإسرائيلي الذي استمر 11 يومًا على غزة في مايو/ أيار 2021، والذي قُتل خلاله ما لا يقل عن 260 فلسطينيًا، حصل نظام السيسي على إشادات واسعة عالميًا لقدرته على الضغط على حماس للقبول بوقف إطلاق النار.

وبعدها جرت عدة جولات من المحادثات لترسيخ وقف مستمر لإطلاق النار منذ عدوان العام الماضي، بما في ذلك محادثات غير مباشرة لتبادل الأسرى بين حماس ودولة الاحتلال. حتى أن السيسي قد تدخل للقيام بأعمال إعادة الإعمار في غزة، لأن هذا هو أحد الشروط المسبقة لحماس لمواصلة التمسك بوقف إطلاق النار. ومع ذلك، فإن حكومة غزة أبدت تمعضها من تباطؤ مصر في إعادة الإعمار المتفق عليه بين الطرفين.

حيث عبر مصدر قيادي في حركة حماس قبل فترة عن استياء الحركة الشديد من سلوك مصر التي تتلكأ في تنفيذ وعودها تجاه غزة، ولم تلتزم حتى اللحظة بما تعهدت به للحركة والفصائل الفلسطينية في ما يتعلق بإعادة الإعمار، حسب قوله. 

كما أوضح أن مصر “تواصل التنغيص على المسافرين الفلسطينيين إلى قطاع غزة”، متهمًا إياها بمنع الآلاف من السفر من القطاع دون مبرر. وقال المصدر القيادي في حماس، إن سلوك مصر يعتبر تخليًا عن تعهدها بإلزام إسرائيل مقابل التزام المقاومة بالتهدئة.

 

مأساة قطاع غزة

وكواحدة من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان على وجه الأرض، يعاني السكان في غزة من معدل بطالة يقارب 50٪ واقتصاد مدمر، حيث يعاني 69٪ من الأسر من انعدام الأمن الغذائي ويعتمدون على المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة. ويعيش سكان غزة  -ونصفهم تقريبًا دون سن 18 عامًا- في بيئة دمرتها أربع هجمات عسكرية واسعة النطاق، حيث 97 في المائة من إمدادات المياه ملوثة، وغالبًا ما يشار إليها على أنها تسمم بطيء للسكان.

وفي هذه الظروف الصعبة، يمكن القول إنه إن لم تحافظ مصر على علاقة مستقرة مع حماس، بشكل يسمح بتخفيف الحصار على أهل غزة فسيكون القطاع على شفا مزيد من الانهيار وأزمة إنسانية أكبر. ففي حين أن دولة الاحتلال هي الفاعل الرئيسي للحصار، فإن امتثال نظام السيسي لكيان الاحتلال، والمتمثل في تدمير شبكة إمداد معقدة من الأنفاق، يعني أن النظام لم يترك أي شريان حياة لفلسطينيي القطاع.

لكن يبدو أن الأمور ستتجه للأسوأ في ظل ارتماء السيسي في أحضان الصهاينة.وربما يؤكد ذلك الزيارة التي قام بها نجل السيسي، محمود، إلى دولة الاحتلال، بشكل سري في يناير/ كانون الثاني الماضي. وقالت المصادر التي كشفت عن هذه الزيارة إن نجل السيسي، الذي يحظى بنفوذ واسع داخل جهاز المخابرات المصري، لم يكن وحده. وأشارت إلى أنه وصل إلى الأراضي المحتلة على متن طائرة خاصة تابعة للجهاز، برفقة وفد من مسؤولي الملفين، الإسرائيلي والفلسطيني.