رغم هزيمته بأكثر من 7 ملايين صوت في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، لم يستوعب بعد دونالد ترامب مغادرته البيت الأبيض، حيث لا زال يواصل اتهام الديمقراطيين، دون دليل، بالتزوير في الانتخابات الأخيرة.
تحت هذه الكلمات نشرت صحيفة “سليت” الفرنسية تقريرا للكاتب ثيو لوبري عن مساعي الرئيس الأمريكي السابق من أجل العودة إلى البيت الأبيض من جديد خلال الانتخابات المقرر إجراؤها في 2024.
وأوضح الكاتب أنه منذ حظره من قبل الشبكات الاجتماعية الرئيسية (تويتر وفيس بوك) بسبب تصريحاته بعد اقتحام أنصاره مبنى الكونجرس، يتحدث ترامب الآن إلى مؤيديه من خلال البيانات الصحفية المرسلة عبر البريد الإلكتروني وأيضا إجراء مقابلات على قناتي (فوكس نيوز ونيوز ماكس) اللتان تعبّران عن وجهة نظر المحافظين داخل الولايات المتحدة.
وأشار إلى أنه خلف الكواليس، يعمل دونالد ترامب للقضاء على جيوب المقاومة الأخيرة داخل الحزب الجمهوري من أجل تمهيد الطريق لترشحه لانتخابات 2024 الرئاسية.
تصفية الخصوم
وذكر لوبري أنه منذ عام 2015 ومشاركته في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، اختلف دونالد ترامب عن النخب بالحزب الجمهوري، فرجل الأعمال هذا كان يسخر من خصومه ويدينهم ويوبخهم خلال المناظرات والاجتماعات المتلفزة المختلفة.
ومستفيدًا من شعبيته في أوساط الناخبين المحافظين وانتصاره على هيلاري كلينتون، خلق ترامب مناخًا من الرعب داخل حزبه خلال فترة ولايته الرئاسية، ما منع أي أحد من انتقاد نهجه السياسي، باستثناء جون ماكين، المتوفى ام 2018، وميت رومني اللذان خاطرا بتعريض نفسيهما للإهانات والمضايقات على الشبكات الاجتماعية.
لكن وفقا للكاتب، النهاية الفوضوية للرئيس السابق بعد هزيمته أمام جو بايدن والحوادث التي وقعت في مبنى الكونجرس تشير، مع ذلك أيضا، إلى إفساح المجال أمام المسؤولين التنفيذيين في الحزب الجمهوري للتخلص من رجل أصبح محرجا للغاية.
ففي منتصف يناير/ كانون أول، كسر ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، صمته واتهم دونالد ترامب مباشرة بتحريض أنصاره على اقتحام مبنى الكونجرس في السادس من الشهر ذاته و”شحنهم بالأكاذيب”.
وقال السناتور النافذ عن ولاية كنتاكي آنذاك: “الحشود الغاضبة شحنت بالأكاذيب. لقد حرضهم الرئيس وأشخاص نافذون آخرون حاولوا أن يستخدموا الخوف والعنف لوقف مصادقة الكونجرس على فوز الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية”.
كذلك أدلى كيفن مكارثي، زعيم الجمهوريين في مجلس النواب، بتصريحات مماثلة، كما أن ليز تشيني، النائبة البارزة في الحزب، انتقدت سلوك ترامب غير الديمقراطي وأعلنت عزمها التصويت لصالح عزله، فيما قالت ليندسي جراهام، عضو مجلس الشيوخ المؤثر من ساوث كارولينا، إنها لم تعد قادرة على الدفاع.
لكن فرصة بقاء دونالد ترامب في قفص الاتهام بدأت تتلاشى بعد بضعة أسابيع، عندما تمت تبرئته في محاكمة عزله الثانية، يكتب ثيو لوبري.
وأضاف “معززًا بهذا القرار، يقوم رجل الأعمال والرئيس السابق الآن بشن هجمات مضادة وتشويه سمعة كل من تجرأ في معسكره على الوقوف ضده، إذ اتهم نائب الرئيس مايك بنس بأنه يفتقر إلى الشجاعة من خلال عدم الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة ويهين ماكونيل من خلال وصفه بـ”الغبي ابن العاهرة” خلال خطاب ألقاه في فلوريدا.
كما فقدت ليز تشيني، ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، وثالث أبرز الجمهوريين في مجلس النواب منذ عام 2019، منصبها الحزبي بمجلس النواب بسبب انتقاداتها المتكررة لترامب، وتعرض السيناتور الجمهوري ميت رومني لصيحات الاستهجان خلال خطاب ألقاه أمام أنصار الجمهوريين في ولاية يوتا.
أما بالنسبة لمكارثي وجراهام، يتابع الكاتب، فقد حققا إنجازًا يتمثل في انكار أقوالهما والخضوع تمامًا للقائد، وبذلك تحول الحزب الجمهوري إلى حزب ترامب، الذي بدأ في عام 2016، بشكل واقعي.
جيل يمهد الطريق
وأشار إلى أن عملية تصفية الخصوم التي دبرها دونالد ترامب داخل الحزب الجمهوري صاحبها إعادة هيكلة من خلال دعمه جيلا أكثر انسجامًا مع الخط السياسي الاستبدادي والتآمري والمحافظ للغاية.
فعلى سبيل المثال مارجوري تايلور جرين، محبوبة الترامبيين الجديدة، أصبحت تتصدر العناوين فهي نائبة بمجلس النواب منذ فوزها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بالمنطقة الرابعة عشرة بجورجيا، وواحدة من أشد المعجبين بالرئيس الأمريكي السابق وأحد أتباع نظريات المؤامرة.
ونوه الكاتب بأن تايلور جرين ميزت نفسها بسبب تصريحاتها المعادية للإسلام، فضلاً عن إنكارها لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، حتى أنها ذهبت إلى حد رغبتها في إعدام بعض الديمقراطيين المنتخبين عام 2019، وخلال حملتها الانتخابية، ظهرت وهي تحمل بندقية ( AR-15) مع شعارًا “أنقذوا أمريكا، أوقفوا الاشتراكية”.
وبين أنه على غرار تايلور جرين نجد مات جيتس، النائب في مجلس النواب، كان من أوائل المؤيدين لدونالد ترامب ومؤيدًا للمحافظين الراديكاليين، ويحتل مكانة متزايدة الأهمية في الحزب الجمهوري، فرغم اتهامه مؤخرًا بممارسة الجنس مقابل المال مع قاصر تبلغ من العمر 17 عامًا، لم يفقد دعم الرئيس السابق.
والدليل على ذلك مشاركته في اجتماع “أمريكا أولاً” بفلوريدا، بصحبة مارجوري تايلور جرين، حيث جدد تعهده بالولاء لـ “زعيم الحزب الجمهوري بلا منازع”، قائلا “هذا هو حزب دونالد ترامب وأنا جمهوري ترامب”.
وبحسب ثيو لوبري، فإن جوش هاولي، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ميسوري، ولورين بويبرت، نائبة عن ولاية كولورادو، من بين الأعضاء الجدد في جيل الجمهوريين الراديكاليين المنتخبين.
وفي انتظار عودة الرئيس إلى خشبة المسرح، يعتني أتباع ترامب المخلصون بإبقاء الشعلة حية داخل القاعدة الانتخابية ويواصلون سرد قصة انتخابات سرقها الديمقراطيون.
“أنفذوا أمريكا”
وكان دونالد ترامب أعلن في 20 يناير/ كانون ثاني 2021 في قاعدة أندروز العسكرية قبل دقائق قليلة من مغادرته إلى فلوريدا: سنعود بشكل أو بآخر”، ومنذ ذلك الحين، أوضح الرئيس السابق نواياه في عدة مناسبات.
وخلال الاجتماع السنوي للمحافظين الذي عقد في مارس/ أذار، استخدم الفكاهة لإيصال رسالته قائلا: “سنتولى رئاسة مجلس النواب، ومجلس الشيوخ، ثم سيعود رئيس جمهوري، المنتصر في البيت الأبيض أتساءل من سيكون؟ “، ليهتف الحشد له.
وأظهرت عدة استطلاعات للرأي مدى حماس الناخبين الجمهوريين لعودة ترامب إلى الساحة السياسية، حيث قال لقناة فوكس نيوز في أبريل/ نيسان: “أفكر في الأمر بجدية بالغة”، ولم يترك مجالاً للشك بإعلانه في بداية مايو/ أيار أن قراره “سيرضي أنصاره”.
وتعتقد الصحافة أنهم يعرفون اسم نائبه في الانتخابات المقبلة، وهو حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، مع ارتفاع شعبية هذا الأخير بين الناخبين الجمهوريين، أما الشعار فقد تم نشره منذ عدة أسابيع على موقع دونالد ترامب على الإنترنت وفي البيانات الصحفية: “أنقذوا أمريكا”.
وبحسب بعض المقربين من الرئيس السابق، فإن الإعلان الرسمي عن ترشيحه سيأتي بعد انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
ويرى الكاتب أنه مع حزب مؤيد لقضيته، وجيل جديد من المسؤولين المنتخبين المخلصين له وقاعدة انتخابية صلبة، يبدو أن دونالد ترامب يملك الحرية في خوض معركة ثالثة ضد الديمقراطيين خلال الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2024.
وفي النهاية قال ثيو لوبري: إن إنهاء أحداث 6 يناير/ كانون ثاني 2021، لمسيرة ترامب السياسية، يبدو بعيدا الآن، والشيء الوحيد الذي يهدد طموحاته هو التحقيقات والمحاكمات المتعددة التي تستهدفه.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا