مر أكثر من ثلاث سنوات على عزل الجيش السوداني للرئيس السابق “عمر البشير”، ومنذ ذلك الحين ولم يتغير شئ في المشهد السوداني، إلا تغيرات طفيفة، وما تغير هو حال الشعب السوداني الذي ازداد سوءاً يوماً بعد يوم، وفي هذه الآونة سعى الجيش السوداني لتوطيد حكمه، وإحكام قبضته على السلطة في السودان بالقمع تارة، وبالالتفاف على الدستور تارة، وساعده في ذلك اختلاف الفرقاء السياسيين طوال هذه الفترة.
الجيش يستغل الخلاف
تفاقم الخلاف الشعبي مع السلطة الحالية الحاكمة، ممثلة بالمجلس السيادي الذي يتزعمه قائد الجيش الفريق “عبد الفتاح البرهان”، خاصة بعد عزله لرئيس الحكومة عبد الله حمدوك في 25 أكتوبر الماضي، وعلى الرغم من الإفراج عن حمدوك وإعادته لمنصبه بعد وضعه قيد الإقامة الجبرية لأسابيع، إلا أن الأخير قدم استقالته طوعاً، وهو ما أدى إلى غليان في الشارع السوداني والذي شعر أنه لم يحدث أي تغيير حقيقي على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعد سقوط نظام البشير.
كذلك دعت الثورة إلى “الحرية والسلام والعدالة” ولم يتحقق شيء منها، حيث أنه لا تزال حالة الطوارئ مستمرة حاليًا، وتتواصل عمليات الاعتقال والقمع، ولا تزال أهداف الثورة بعيدة المنال، خاصة بعد الخلاف بين الإسلاميين ومخاوف بعض القوى من وصول الإسلاميين للحكم، وهو ما عمد الجيش إلى استغلاله عن طريق دب الفرقة بين الفرقاء السياسيين وتشويش الصورة الذهنية السياسية حى لا يتفق الجميع على خارطة طريق وسعى لكسب المزيد من الوقت وإحكام قبضته على السلطة.
مقترح ملغوم
انتهز المجلس العسكري السوداني الفرصة وقام بطرح اقتراح مع الفصائل المتحالفة معه في أبريل/نيسان الجاري لتشكيل حكومة انتقالية جديدة من شأنها تعزيز السيطرة العسكرية حتى انتخابات 2023، وهو ما يُشرعن نفوذه باعتباره “السلطة المؤسسية” و “المشرف على الانتقال” من خلال منح سلطات تنفيذية لقيادة الجيش وتجاوز الجماعات المدنية التي كان يتقاسم معها السلطة في السابق.
الاقتراح يحظى بدعم العديد من الأحزاب السياسية المتحالفة مع الجيش، والمتمردين السابقين الموقعين أيضًا على اتفاقية جوبا للسلام لعام 2020، والزعماء القبليين والدينيين، بالإضافة إلى توارد أنباء أن أكبر حزبين في السودان هما “الحزب الاتحادي الديمقراطي” و”حزب الأمة” قد يدعمان الاقتراح الذي يشمل تعيين مجلس وزراء تكنوقراط وبرلمان وتسمية هيئة قضائية وانتخابية، وفي حال إقرار هذا المقترح، سيتم تجاوز الميثاق الدستوري الذي تم وضعه بعد ثورة 2019، والذي نص على تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين خلال الفترة الانتقالية.
توطيد الحكم للعسكر
تسعى القوة العسكرية لتوطيد حكمها عبر حكومة انتقالية معيّنة عن طريق انتخابات غير عادلة وانسحاب محتمل لبعثة الأمم المتحدة، وقد سبق أن أشرنا إلى التلاعب عن تمرير وثيقة توطد لحكم الجيش حتى بعد 2023، علاوة على ذلك فقد شرع العسكر إلى استخدام آلة القمع بكل قوة تجاه القوى الديمقراطية غير الموالية له، فمنذ انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، أسفرت الحملة العسكرية ضد آلاف المتظاهرين عن مقتل 93 وإصابة الآلاف، إضافة إلى توثيق منظمات حقوق الإنسان حالات العنف المفرط والاعتداء الجنسي واستخدام أسلحة عسكرية ضد المدنيين العزل.
بصيص من الأمل
يقول “كاميرون هدسون”، المسؤول السابق في البيت الأبيض، والمبعوث الأمريكي السابق للسودان، عن الوضع الحالي للشعب السوداني “لكن الأمر المختلف هذه الأيام عما كان عليه أيام البشير، الناس لم يعودوا يرغبون في العيش في ظل الطغيان، وهم يطالبون بما هو أفضل ولا يبدو أنهم مستعدون للتخلي عن هذه المطالب حتى يحصلوا عليها، وهذا الأمل بالتغيير والوصول لحياة أفضل هو وقود الثورة، ولم أر مثل هذا النوع من الأمل في عهد البشير ولا أعتقد أنه يمكن سلبه”، السر هنا يكمن في الشعب السوداني والذي سيلعب دور البطولة في مفترق الطرق الذي وضع العسكر فيه السودان فإما تستكمل الثورة السودانية أو يعود السودان إلى أسوء ما كانت عليه في زمن البشير.
اضف تعليقا