يبدو أن السياسة الخبيثة التي اتخذها قائد الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، على الساحة الليبية منذ نحو عام، لن تستمر طويلًا. فقد أنبأت الأيام الماضية أن نظام السيسي يريد استمرار حالة اللا استقرار هذه في ليبيا، إذا لم ينصب مجرم الحرب، خليفة حفتر، كحاكم للدولة.

وفي الأساس، فإن نظام السيسي كان وما زال أحد أبرز الداعمين لحفتر، فقد مد السيسي حفتر بالسلاح، وافتتح قاعدة محمد نجيب البرية في غرب مصر، حتى تكون مركز دعم لوجستي لقوات حفتر المتاخمة للحدود المصرية الغربية. هذا فضلًا عن الدعم السياسي الذي قدمه السيسي لحفتر باعتباره هو الممثل الشرعي للحكومة الليبية، وذلك رغم اعتراف الأمم المتحدة بحكومة الوفاق الوطني كحكومة شرعية.

واستمر السيسي في هذا الاتجاه بشكل علني وواضح حتى جاء اختيار حكومة جديدة لليبيا قبل نحو عام تقريبًا. حينها بدأ السيسي في التماهي مع المجتمع الدولي الداعم للحكومة الجديدة المنتخبة. حيث استقبل السيسي في القاهرة رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة. وأجرت الوفود المصرية حوارات متعددة مع نظيرتها الليبية، هذا بالإضافة إلى إعادة فتح سفارة مصر في طرابلس.

لكن الأيام الأخيرة بدت وكأنها تحمل ارتدادًا من نظام السيسي عن هذه السياسة التي اتبعها لمدة عام، ولو حتى على المستوى الظاهري.

 

السيسي يدعم خيارات حفتر

مؤخرًا، وبعد مرور يوم الرابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول الماضي بدون عقد انتخابات الرئاسة الليبية، أعلن مجلس النواب الليبي برئاسة عقيلة صالح، الذي يعد الوجه السياسي لحفتر، تنصيب وزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، كرئيس للوزراء خلفًا للدبيبة. 

وسريعًا ما أيد نظام السيسي هذا التوجه، حيث إنه كان أسرع من روسيا -التي تدعم حفتر أيضًا- في تأييد الإطاحة بالدبيبة وتعيين باشاغا. فقد قال أحمد حافظ، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في بيان  إن مصر “تثمن دور المؤسسات الليبية واضطلاعها بمسئولياتها بما في ذلك ما اتخذه مجلس النواب من إجراءات بالتشاور مع مجلس الدولة وفقًا لاتفاق الصخيرات”. 

وأضاف أن “مجلس النواب الليبي هو الجهة التشريعية المنتخبة، والمعبرة عن الشعب الليبي الشقيق، والمنوط به سن القوانين، ومنح الشرعية للسلطة التنفيذية، وممارسة دوره الرقابي عليها.”.

 

مصر تعرقل وساطة تركيا

في المقابل، التزمت تركيا الحياد في الخلاف الدائر بين باشاغا والدبيبة، حيث كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أكد مؤخرًا أن علاقة بلاده بكل من الدبيبة وباشاغا طيبة. وقال في تصريحات صحفية حال عودته من الإمارات: “علاقاتنا مع فتحي باشاغا جيدة. من ناحية أخرى العلاقات طيبة أيضًا مع الدبيبة”، قبل أن يضيف أن “الأمر المهم هو من سيختاره الشعب الليبي وكيف”. وتابع أردوغان: “نريد إجراء الانتخابات في ليبيا، بحيث يختار الليبيون شكل الحكومة التي يريدونها ويرغبون بها”.

في هذا السياق، حاولت تركيا التوسط بين الطرفين في مسعى منها لتقريب وجهات النظر، وتحاشي أي رد فعل قوي من أي طرف منهما يشعل فتيل الحرب في العاصمة طرابلس. لكن مصر في المقابل، حاولت عرقلة هذه الوساطة التركية، رغم أهميتها في هذه الأجواء المشحونة في الوقت الحالي.

فقد كشفت مصادر مصرية خاصة مقربة من اللجنة الوطنية المعنية بالملف الليبي لموقع “العربي الجديد” أن تركيا قدمت مبادرة للوساطة بين الدبيبة وباشاغا. وقالت المصادر إن أنقرة وجهت الدعوة لكل من باشاغا والدبيبة لزيارة أراضيها، وعقد لقاء بينهما للتوصل إلى حل لأزمة الانقسام الراهنة، ومنع الاحتراب مجددًا في ليبيا.

وأشارت المصادر إلى أن باشاغا أبلغ الأمر للمسؤولين في مصر، التي يتحالف معها وتدعم تحركاته الأخيرة بشراكة فرنسية، وجرت اتصالات بينه وبين مسؤولين رفيعي المستوى في مصر، قبل أن ينتهي الأمر بطلب مصري له بعدم تلبية الدعوة التركية، وتأكيده أن أي حل لا بد أن يكون من داخل ليبيا.

 

التفاف مصري على المساعي التركية

وكان الدبيبة قد تحدث عن خطة أطلق عليها تسمية “إعادة الأمانة إلى أهلها”، تقوم على إجراء انتخابات برلمانية قبل 24 يونيو المقبل، أي قبل موعد انتهاء خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي، الذي اختار حكومته قبل نحو عام في جنيف. وتنص الخطة على “إجراء الاستفتاء على الدستور بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية”.

وأشار الدبيبة إلى أنه في حال تعذر إجراء الانتخابات، نظرًا لاستخدام القوة ومنعها من بعض الأطراف، فإنّ خيار “التصويت الإلكتروني” سيكون “قائمًا”. كما لمّح للجوء إلى “الانتخابات الجزئية في بعض المناطق”، وفقًا لتجارب دولية عدة. واعتبر أنّ خطته هي “الحل الوحيد” الذي يخرج جميع الكيانات السياسية، بما فيها حكومته، من المشهد الحالي.

وحذر من محاولة “الطبقة السياسية المهيمنة” الهروب من إجراء الانتخابات، مؤكدًا أنّ هذا الأمر “يهدد بعودة الانقسام، وسيؤدي حتمًا إلى الحرب مرة أخرى”. وقال: “سأسلم الأمانة بالانتخابات، ولن أقبل تسليمها للفوضى. الانتخابات فقط هي الحل الوحيد”. وناشد ما أسماها “حركة وطنية حقيقية” الضغط من أجل إجراء الانتخابات.

هذه المبادرة التي طرحها رئيس الوزراء الليبي تأتي نتيجة للمساعي التركية والنصائح المستمرة لرأب الصدع ومحاولة النجاة بالبلاد من مستقبل قاتم ينتظرها حال استمرار الانقسام. لكن يبدو أن النظام الانقلابي المصري يريد أن يبقى الوضع على ما هو عليه، ربما لأكثر من سبب. الأول هو أن الخلاف الحالي هو في جزء كبير منه يدور بين مكونات جبهة الشرعية، التي تتمركز في العاصمة طرابلس، وبالتالي فإن إضعاف هذه الجبهة وضرب بعض أطرافها بالبعض الآخر، سيصب في النهاية لصالح حفتر.

والسبب الثاني هو أن نظام السيسي لا يرغب لتركيا أن تقود وساطة ناجحة على السياحة الليبية لأن ذلك سيزيد من قوة موقفها في الملف الليبي، وهو ما يضعف موقف الدول الداعمة لحفتر ومن ضمنها مصر.