أعلنت دولة الإمارات عن إصدار قانون جديد يمنح المستثمرين الخليجيين معاملةً مشابهةً لمعاملة المواطنين الإماراتيين، في خطوة تهدف إلى تعزيز جاذبية الإمارات كوجهة استثمارية إقليمية ودعم الاقتصاد الوطني.
وفقًا لهذا القانون، الذي جاء تحت الرقم (25) وصدر في أواخر سبتمبر الماضي، يعامل مواطنو مجلس التعاون الخليجي كمواطنين إماراتيين فيما يتعلق بممارسة الأنشطة الاقتصادية والمهن.
يُعد القانون خطوة مهمة من الناحية النظرية لتعزيز تكامل السوق الخليجية، حيث يعكس رغبة الإمارات في تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول المجاورة، ويأتي في وقت حرج تزامنًا مع المنافسة المتصاعدة بين الإمارات والسعودية في استقطاب رؤوس الأموال.
ومع ذلك، فإن فعالية هذا القانون تواجه تحديات كبيرة تتمثل في انتشار الفساد وتدهور الأطر القانونية التي من المفترض أن تحمي حقوق المستثمرين.. فكيف يقع المستثمرون في الإمارات ضحية للنصب والخداع؟.
قضية وردة صويمل
على الرغم من التطور الاقتصادي الذي شهدته الإمارات في العقود الأخيرة، إلا أن تقارير متواترة كشفت عن بيئة استثمارية مليئة بالعراقيل، خاصةً مع تدخلات سياسية تضعف من قدرة المستثمرين على الحصول على حقوقهم واستثماراتهم.
يرى المراقبون أن غياب الشفافية ونظام قضائي مُحكم قد يؤدي إلى عزوف المستثمرين عن الاستفادة من الامتيازات التي يقدمها القانون، مما يجعل هذا الإصلاح التشريعي فارغًا من مضمونه.
في إحدى القضايا البارزة، تعرضت سيدة الأعمال السعودية وردة صويمل لعملية احتيال عندما قام موظف في بنك الإمارات دبي الوطني بسحب ملايين الدراهم من حسابها بتفويض مزوّر.
افتتحت السيدة حسابها في عام 2018، ليتمكن أحد موظفي البنك لاحقًا من استخراج دفتر شيكات وسحب مبلغ 6.2 مليون درهم من حسابها بطريقة غير قانونية.
وقد اعترف الموظف بجريمته أمام النيابة العامة وصدر بحقه حكم بالسجن ثلاث سنوات في عام 2019، ومع ذلك، لم تتمكن السيدة من استرداد أموالها حتى اليوم، إذ فشل البنك في إعادة الأموال، مما يبرز ضعف آليات التنفيذ القضائي في الإمارات ويفتح المجال أمام تكرار مثل هذه القضايا.
إن عدم قدرة القضاء الإماراتي على حماية حقوق المستثمرين يعكس تدهور النظام المالي ويضعف من مكانة الدولة كمركز مالي عالمي. قضايا مشابهة تنتشر في الإعلام وتلقى صدى واسعًا، حيث عبر العديد من الخليجيين والمستثمرين عن قلقهم من الاستمرار في الاستثمار بالإمارات.
فعلى منصة تويتر، انتشرت قضية السيدة صويمل تحت وسم #قضيتي_مع_بنك_دبي، ما جعلها تتصدر اهتمامات المستخدمين السعوديين والخليجيين على حد سواء، ودفعت كثيرين إلى إعادة النظر في جدوى الاستثمار في بيئة مالية وقضائية ضعيفة.
قضية جمال عايش وشركة تعمير
إلى جانب قضية السيدة صويمل، تبرز قضية أخرى لرجل الأعمال الكندي من أصول عربية، جمال عايش، مؤسس شركة “تعمير” العقارية، الذي تعرض لنزاع قضائي طويل الأمد مع شركائه من عائلة الراجحي السعودية، والذين يملكون نفوذًا سياسيًا داخل الإمارات.
في عام 2018، حكمت المحكمة العليا في دبي لصالح عايش، وقررت تعويضه بسبب الأضرار التي لحقت به جراء نقل عائلة الراجحي أصول شركة تعمير إلى شركات وهمية. غير أن الحكم القضائي بقي حبراً على ورق، حيث فشل القضاء الإماراتي في إجبار الطرف المتورط على التنفيذ، بما يعكس ضعف السلطة القضائية وتأثير المتنفذين عليها.
يصف عايش حالة الفساد في الإمارات بأنها مؤسسية، حيث يتعرض المستثمرون لعمليات احتيال منظمة يتم فيها نقل الأصول وتدمير حقوق المساهمين لصالح شبكات قوية تتمتع بحماية سياسية.
يشير عايش إلى أن كثيرًا من المستثمرين يحجمون عن الحديث عن قضاياهم خوفًا من التهديدات أو افتقارهم للأدلة اللازمة، حيث يتم تزوير الوثائق بشكل متقن لإخفاء الحقائق.
هذه الشبكات تشكل عائقًا حقيقيًا أمام تنفيذ القانون وإيجاد بيئة استثمارية آمنة وشفافة، مما يؤثر بشكل مباشر على قدرة الإمارات في استقطاب استثمارات جديدة ويفتح الباب أمام منافسيها في المنطقة.
الجانب الخفي للاستثمار
يعتبر غسيل الأموال والاحتيال في القطاع المالي تحديًا آخر يواجه الإمارات في سعيها لبناء سمعة اقتصادية نظيفة. تُتهم العديد من الشركات الوهمية الإماراتية بالتورط في عمليات غسيل الأموال العالمية، بدءًا من فضيحة صندوق التنمية الماليزي وصولًا إلى عمليات غسيل الأموال الروسية.
هذه الأنشطة المشبوهة، التي تورطت فيها شخصيات بارزة وشركات كبرى، أثرت بشكل كبير على سمعة الإمارات كوجهة استثمارية آمنة. ففي السنوات الأخيرة، قُدرت أموال الضحايا من شركات التداول الوهمية في الإمارات بأكثر من 10 مليارات درهم، مما يثير تساؤلات عن قدرة الجهات الرقابية على التصدي لهذه الجرائم وحماية أموال المستثمرين.
يبدو أن الإمارات، في ظل الوضع الحالي، تحتاج إلى إصلاحات قانونية جذرية لضمان حماية استثمارات الخليجيين والأجانب في الدولة. يرى خبراء الاقتصاد أن نجاح قانون المستثمرين الخليجيين يعتمد بشكل أساسي على قدرة الإمارات على تطهير الأطر المالية والقانونية من شبكات الفساد التي تقوض الثقة بمؤسسات الدولة.
السعودية هي المنافسة الرئيسية للإمارات في جذب الاستثمارات، تتبنى استراتيجيات اقتصادية طموحة مثل رؤية 2030 التي تُعنى بتحسين بيئة الاستثمار وتعزيز الثقة بالنظام المالي. هذه التحركات تضع الإمارات أمام تحديات غير مسبوقة؛ فإما أن تقوم بإصلاحات شاملة وجذرية أو تواجه خطر فقدان مكانتها كوجهة استثمارية رئيسية في المنطقة.
الخلاصة أن قانون المستثمرين الخليجيين كتدبير إيجابي يهدف إلى تحسين جاذبية الإمارات للاستثمار الخليجي، إلا أن تحديات الفساد وضعف الأطر القضائية قد تجعل هذا القانون عديم الفائدة ما لم يتم اتخاذ خطوات إصلاحية ملموسة.
اقرأ أيضا : نظام بن زايد.. بين صورة التسامح البراقة وبين القمع والتنكيل
اضف تعليقا