كشفت النتائج الأولى للتحقيق الذي أجرته بعثة تقصي الحقائق الليبية بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي صدر في أوائل أكتوبر / تشرين الأول، عن أدلة على انتهاكات جسيمة ربما تشمل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية منذ عام 2016 في النزاع داخل الدولة المنكوبة في شمال إفريقيا.

سجل التقرير روايات عن انتهاكات حقوقية تتراوح من الاعتقال التعسفي إلى التعذيب والقتل والعبودية والعنف الجنسي وتجنيد الأطفال والقتل الجماعي.

كما وجدت بعثة تقصي الحقائق أن “جميع أطراف النزاع، بما في ذلك الدول الأخرى والمقاتلون الأجانب والمرتزقة، انتهكوا القانون الإنساني الدولي”، وأن “بعضهم ارتكب أيضًا جرائم حرب”.

وشددت البعثة التي عينتها الأمم المتحدة على أن الأشخاص المستضعفين مثل المهاجرين واللاجئين وأفراد الأقليات العرقية قد تعرضوا بشكل خاص للعنف منذ انزلاق ليبيا إلى الفوضى في أعقاب انتفاضة 2011 التي أطاحت بالدكتاتور معمر القذافي.

وأشار الخبراء إلى تقارير تظهر أن خفر السواحل الليبي – الذي تم تجهيزه وتدريبه من قبل الاتحاد الأوروبي كجزء من استراتيجيته لوقف تدفق المهاجرين – أساء معاملة البعض وأعاد بعضهم إلى مراكز الاحتجاز.

كما أشارت البعثة إلى روايات عن استخدام مقاتلين أجانب في البلاد من الصراع السوري ومرتزقة خاصين يُزعم أن الشركة العسكرية الروسية فاغنر جروب التي تتخذ من روسيا مقراً لها تعاقدت معهم في معركة العاصمة طرابلس 2019-2020.

راجع المحققون، الذين تشكلت مهمتهم في يونيو / حزيران 2020، مئات الوثائق، وأجروا مقابلات مع أكثر من 150 شخصًا، وأجروا تحقيقات في ليبيا وتونس وإيطاليا.

قال فريق التحقيق إنه حدد الأفراد والجماعات، الليبيين والأجانب، الذين قد يتحملون المسؤولية عن الانتهاكات والتجاوزات والجرائم. لكن الفريق أكد أن الأسماء ستبقى في قائمة سرية حتى يمكن مشاركتها مع آليات المساءلة المناسبة.

بدوره، قال محمد أوجار، رئيس لجنة تقصي الحقائق: “بينما يسعى الليبيون جاهدين لتأمين السلام، فإن ضمان المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم الدولية المرتكبة في البلاد ضروري أكثر من أي وقت مضى لردع المزيد من الانتهاكات وتعزيز السلام والمصالحة على المدى الطويل”.

كما  تحدثت شيرين الطرابلسي، الزميلة الزائرة في جامعة أكسفورد، عن ثلاثة اتجاهات في دراسة طبيعة العنف في ليبيا.  حيث قالت إنه غالبًا ما يكون محليًا بسبب التنافس بين ميليشيات حفتر في الشرق والجماعات المسلحة المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني الشرعي في الغرب، فضلاً عن الصراع بين الفصائل الأصغر داخل المعسكرين المتعارضين. وهو ما يجعل من الصعب للغاية التنبؤ بالجرائم والانتهاكات على مستوى الولايات والمستوى المحلي في نفس الوقت.

 الأمر الثاني هو أن أشكال العنف المختلفة مترابطة، حيث يتقاطع العنف العسكري بدوافع سياسية مع العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف ضد الأطفال.

بالإضافة إلى ذلك ، فإن للعنف في الوضع الليبي بعدًا إقليميًا واضحًا أيضًا، نظرًا لأن جهات فاعلة مثل المرتزقة الروس والقوات التركية، وكذلك المقاتلين السوريين والسودانيين والتشاديين، من بين آخرين، يعملون على الأرض.

على الرغم من كونها أولية وغير شاملة، فإن كشف بعثة تقصي الحقائق هو الخطوة الأولى في عملية تحديد الجناة وتقديمهم إلى العدالة. جدير بالذكر أن البعثة لم تدخل حيز التشغيل الكامل إلا في يونيو من هذا العام.

مع وجود أربعة أشهر فقط تحت تصرفه، أعاقت القيود الزمنية والقيود التي تسبب بها وباء Covid-19 بشكل كبير قدرة فرق العمل على تنفيذ عملها بفعالية، مما حد من وصولها إلى البلاد وكذلك قدرتها على التحقيق في نطاق واسع عن انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان.

من المحتمل أن ترسل النتائج إشارة قوية إلى القوى الدولية والإقليمية الرئيسية وسط العنف المستشري، لتؤكد الحاجة إلى المساءلة والمحاسبة عما تم ارتكابه من جرائم.

أقرت الطرابلسي بأن بعثة تقصي الحقائق لها قيودها الخاصة، على الرغم من أنها أشارت إلى أن وجودها مهم “كجزء من إطار أوسع ونهج نحو المساءلة” لا يتمثل في مجرد محاكمة الجناة. وشددت على أن “عملية تحقيق العدالة ستكون صعبة للغاية بالنظر إلى مدى الضرر الذي سببه أطراف متنازعة متعددة في السياق الليبي”.

أشارت الباحثة، التي تركز بحثها على السياسة الإنسانية والصراع والأمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى بعض التحديات الرئيسية المتوقعة في السعي لتحقيق المساءلة. الأول هو استمرار “الجهود المحلية والمشتتة” التي تؤدي حتماً إلى وقوع الظلم. حيث تقول: “من أجل النفعية السياسية والحزبية، نرى أن المجالات الرئيسية مثل المساءلة والعدالة وحقوق الإنسان يتم التغاضي عنها تمامًا. وهو ما يعني أن استدامة السلام أمر مشكوك فيه”.

كما ألمحت إلى أن الجماعات الحقوقية في طرابلس وبنغازي التي توثق الانتهاكات داخل البلاد تميل إلى تبادل الادعاءات، مما يعكس الانقسام بين الشرق والغرب في البلاد، بدلاً من متابعة عملهم مع وضع المصلحة الوطنية العليا في الاعتبار.

وأوضحت أن هناك عقبة أخرى تتمثل في “نقص القدرة” – أو عدم وجود نظام – لضمان الحصول على مستوى معين من العدالة.  بالإضافة إلى ذلك، فإن انخفاض “مستوى الثقة في النظام الدولي” إلى حد كبير عامل أحد العقبات التي تواجه عملية تقصي الحقائق.

ومُددت بعثة تقصي الحقائق، التي انتهت ولايتها في 30 أيلول / سبتمبر الماضي، لمدة تسعة أشهر. وبينما يسمح التجديد بمواصلة عملها الحيوي، فإن طول الفترة غير كافٍ لضمان التحديد الكامل لاتساع نطاق الانتهاكات المرتكبة والأخطاء المحتملة. من المطلوب مزيدًا من الوقت للنظر بشكل شامل في أعمال العنف التي تم تنفيذها، ويكون لها تأثير ملموس في معالجة الإفلات من العقاب في ليبيا.