كشفت صحيفة “لوموند الفرنسية عن الأسباب التي تثير مخاوف روسيا من عودة حركة طالبان الأفغانية وسيطرتها على العديد من المناطق، مع بدء الانسحاب الأمريكي من هذا البلد.

وذكرت الصحيفة، في تقرير لمراسلها بموسكو بول جوجو، أنه عندما أعلنت لجنة الدولة للأمن القومي في طاجيكستان أنها سمحت لأكثر من ألف جندي أفغاني بعبور الحدود إلى البلاد يوم الاثنين 5 يوليو/ تموز، بدأت روسيا تتساءل عن سهولة اختراق حدود هذه الدولة القريبة التي تواجه بأكملها تقريبًا طالبان، وكذلك أوزبكستان، وتركمانستان التي تجمعها 800 كيلومتر من الحدود المهجورة المشتركة مع جارتها الأفغانية.

وأعلنت طالبان الجمعة سيطرتها على 85 بالمئة من أراضي أفغانستان، كما اجتاحت الحركة مناطق تقع على الحدود مع 5 دول، هي إيران وطاجيكستان وتركمانستان والصين وباكستان.

وأكدت الصحيفة أنه لعدة أيام، تضاعفت تحليلات المتخصصين العسكريين في الصحافة الروسية: ماذا لو سمح عدم الاستقرار هذا بإعادة ظهور الخلايا الإرهابية في آسيا الوسطى؟

ونوهت بأنه قد لا يكون لهذه الدول الثلاث حدود مشتركة مع روسيا، لكنها تتمتع بتبادلات ديناميكية، خاصة للعمال مع جارتها البعيدة، فالعمال الطاجيكيون يساعدون موسكو في تنفيذ أكبر مشاريعها.

“مكافحة الاتجار بالمخدرات”

ووفقا لمراسل “لوموند”، هذا القلق الروسي كان وراء الزيارة المفاجئة لوفد من المكتب القطري لحركة طالبان إلى موسكو مساء الخميس الماضي، بدعوة من وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. 

وقد طمأن الشيخ شهاب الدين ديلاوار موسكو، في مؤتمر صحفي عقد الجمعة، قائلا: ليس لدينا نية لانتهاك حدود دول آسيا الوسطى، ونريد أن نؤكد لكم أننا سنفعل كل ما في وسعنا لذلك، داعش لن يستقر أبدا في أفغانستان “.

كما قال مسؤولون في طالبان إنهم “مستعدون لمكافحة المخدرات وتهريبها”، وهي تصريحات تأتي للتأكيد على أن الحدود الواقعة تحت سيطرتهم لن تصبح مناطق تسلل.

من جهته قال لافروف يوم الجمعة أيضا إن موسكو لن تتخذ أي خطوات إزاء أفغانستان ما لم تخرج عمليات القتال فيها عن حدودها.

وأضاف أثناء مؤتمر مشترك مع نظيره الهندي سوبرامانيان جيشانكار: “بوساطة الولايات المتحدة تم ترسيم الخطوات الواجب اتخاذها من أجل استقرار الوضع وإطلاق عملية سياسية والتوصل إلى اتفاق بخصوص المرحلة الانتقالية، ثم تحديد المعايير النهائية لمستقبل أفغانستان”.

وتابع “من الواضح أنه ليس بإمكان أحد سوى الأفغان أنفسهم حل هذه المسائل، لكن الاتفاقات المبرمة بين واشنطن وطالبان استدعت ترحيب جميع الأطراف، ونحن نؤيد تطبيقها”.

كما أكد لافروف أن التطورات الأخيرة في أراضي أفغانستان تثير قلق موسكو إزاء خطر “امتداد المشاكل إلى أراضي حلفائنا”.

وحول سيطرة طالبان على معابر حدودية عند حكومة أفغانستان مع طاجيكستان وإيران، أجاب “طالما يحدث ذلك في أراضي أفغانستان، لا نعتزم اتخاذ أي إجراءات سوى تكرار نداءاتنا الملحة”.

هذا، وقد أوضح بول جوجو، أن زيارة وفد الحركة الأفغانية إلى موسكو لن تكون الأخيرة، إذ عرض لافروف على الحكومة الأفغانية وممثلي طالبان استئناف المحادثات بينها.

لكن المراسل يرى أن هذه المحادثات حتى لو عقدت ستكون بلا جدوى؛ لأن اللقاءات الأخيرة التي نظمها الدبلوماسيون الروس انتهت بالفشل.

وتؤكد الصحيفة على أنه لطالما كان الكرملين يأمل في إقناع الأفغان وطالبان بتشكيل حكومة مؤقتة مشتركة في انتظار انتخابات جديدة، لكن دون جدوى.

من ناحية أخرى تعرضت زيارة وفد طالبان يوم الجمعة لبعض الانتقادات في روسيا، حيث تم تصوير لافروف محاطًا بضيوفه، وجميعهم يُعتبرون رسميًا “إرهابيين” بموجب القانون الروسي.

مدربون روس

ونبهت “لوموند” بأن أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان لا يجمعهما توافق بحيث تكون الدول الثلاث جزءًا من اتحاد مشترك، الأمر الذي يجبر روسيا على التصرف على أساس كل حالة على حدة.

فقد تم إرسال مدربين من الجيش النظامي الروسي إلى أوزبكستان لتدريب الجنود المحليين على تشغيل ناقلات الأفراد واستخدام قاذفات القنابل اليدوية.

لكن طاجيكستان، التي من المرجح أن تتأثر بهذا الوضع سريعا، هي التي تقلق الكرملين، فلا يمكن لروسيا أن تخاطر، لأن الدولة تستضيف واحدة من أكبر قواعدها العسكرية الموجودة في الخارج: خمسة آلاف رجل وسرب من طائرات الهليكوبتر القتالية، والتي يجب أن تضاف إليها محطة مراقبة تابعة للقوات الفضائية.

ويشارك هؤلاء الرجال وطائرات الهليكوبتر منذ عدة أيام في تدريبات مشتركة مع القوات الطاجيكية، يتم خلالها، على وجه الخصوص، عمليات محاكاة لتحييد قوافل إرهابية.

في غضون ذلك، أعلنت طاجيكستان عن نشرها 20 ألف جندي احتياطي في جنوب البلاد، لكن أي تدخل روسي على الأرض لا ينبغي أن يأتي علانية، فعلى الرغم من أن البعض في روسيا يتوقعون العودة إلى أفغانستان إلا أن الفكرة بعيدة كل البعد عن أن تحظى بدعم لافروف.

وتخلص الصحيفة الفرنسية إلى أنه إذا كان هناك تدخل عسكري روسي في المنطقة، فسيكون باسم منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي توحد روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، حيث طلب الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمان بالفعل من نظيره الروسي فلاديمير بوتين ذلك مرتين على الأقل.

ويذكر أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أكد أن المهمة العسكرية لقواته في أفغانستان ستنتهي رسميا في 31 أغسطس/آب المقبل.

ويقول مسؤولون أمنيون غربيون إن الحركة سيطرت على أكثر من 100 منطقة في أفغانستان، فيما تقول طالبان إنها تسيطر على 200 منطقة في 34 إقليما، أي ما يزيد على نصف مساحة البلاد، وما زالت المدن الرئيسية وعواصم الأقاليم تحت سيطرة الحكومة.

وتحقق الحركة مكاسب على الأرض منذ أسابيع، لكن هجماتها تسارعت مع انسحاب الولايات المتحدة من قاعدتها الرئيسية في أفغانستان، منهية فعليا تدخلا بدأ منذ الإطاحة بحكومة طالبان في 2001.

للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا