نشرت صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية تقريرا عن الأهداف التي يسعى الحوثيون لتحقيقها من خلال السيطرة على مدينة مأرب الاستراتيجية في اليمن، حيث يشهد هذا البلد صراعا مستمرا منذ عام 2014. 

وقال كاتب التقرير لوك كاتيو: إنها حرب منسية، لكنها بعيدة عن الانتهاء في ظل التطورات الأخيرة التي اشعلت الصراع في اليمن من جديد، مما يهدد بتصعيد الوضع الإنساني المتردي بالفعل.

وأضاف “خلال الأسابيع الأخيرة جدد الحوثيون، الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء، هجومهم على مأرب، وهي محافظة غنية بالنفط والغاز، والمنطقة الوحيدة في شمال البلاد التي لا تزال تحت سيطرة القوات الحكومية”.

وأشار إلى أنه من أجل تقويض مساعي الحوثيين، استأنفت السعودية، الداعم الرئيسي للقوات الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي منذ 2015، قصفها الجوي.

في المقابل وردا على القصف السعودي، كثف الحوثيون، المدعومون من إيران، إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة المسلحة على الأراضي السعودية، وهي تطورات توضح الطريق المسدود للحرب حيث لا يوجد حل دبلوماسي يلوح في الأفق.

ونقلت الصحيفة عن ستيفان لاكروا، الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي القول: إن الحوثيين عادوا بالفعل للهجوم العسكري، إنهم في موقع قوة ولم يحققوا هدفهم في احتلال شمال البلاد، كما أنهم يدركون أن المعسكر المعاكس ضعيف ويريدون قطع كل الطرق لجعل اليمن فيتنام للمملكة العربية السعودية”.

وتشير “ليبراسيون” إلى أنه ليست هذه المرة الأولى التي يشن فيها الحوثيون هجومًا على مأرب، المحافظة الاستراتيجية، التي لم يتمكنوا من السيطرة عليها في الشمال، حيث حاولوا بالفعل ذلك ربيع عام 2015، وتقدموا من الغرب والشمال الغربي.

لكنهم واجهوا مقاومة من الجنود الموالين للحكومة وخاصة المقاتلين القبليين المحليين، الذين كانوا يستعدون منذ أواخر عام 2014، إضافة إلى إرسال تعزيزات من قبل التحالف الموالي للحكومة بقيادة المملكة العربية السعودية، ما جعل الحوثيون ينسحبون في النهاية دون دخول المدينة.

عائدات النفط

وأوضحت الصحيفة أنه فيما بعد كان هناك شكل من أشكال الاستقرار، إذ تدفق للمدينة نازحون أجبرهم القتال على الفرار في أماكن أخرى من البلاد، وفي غضون بضعة أشهر فقط، تضاعف عدد السكان ثلاث مرات من نحو 400000 إلى 1.35 مليون، وفقًا لمركز صنعاء للأبحاث.

كما قطعت السلطات المحلية العلاقات مع صنعاء واستولت على عائدات النفط والغاز، وفي نهاية عام 2016، تفاوضوا على اتفاقية مع الحكومة الرسمية، التي تتخذ من عدن مقرا لها، للحصول على 80٪ من العائدات.

وتنتج مأرب، التي تمتلك مصافي تكرير، قرابة 8٪ من البنزين المستهلك في البلاد وحوالي 90٪ من الغاز المسال المستخدم في معظم المنازل لأغراض الطهي والتدفئة، وفقًا لمجموعة الأزمات الدولية.

وتقول “ليبراسيون” إن العائدات النفطية مكنت السلطات المحلية في مأرب من إطلاق مشاريع التنمية وإعادة بناء البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والمدارس، بالتوازي مع إنشاء الجمعيات والمنظمات غير الحكومية.

ونوهت بأن مأرب هي المدينة الوحيدة في البلاد التي يوجد فيها مجتمع مدني حقيقي، إذ يقول توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام للحقوق والحريات “يمكننا العمل بحرية هنا، بينما في عدن سنتعرض للتهديد إضافة إلى مخاطر الاختطاف أو القتل”.

وتابع “إن مأرب هي المدينة الوحيدة في البلد التي يوجد فيه مجتمع مدني حقيقي، هناك منظمات للشباب وحقوق الانسان والديمقراطية والبحث عن السلام “.

فعلى مدى أشهر، استمر الازدهار النسبي لمأرب في جذب النازحين، وحتى صيف 2020، أحصت السلطات المحلية أكثر من 140 مخيم، يقطنه 475 ألف شخص، بحسب مركز صنعاء.

لكن مع مطلع 2020، جدد الحوثيون هجومهم على مأرب، وترى هيلين لاكنر، المتخصصة في شؤون اليمن والباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، أن الحوثيين قد يتمكنون من الاستيلاء على المدينة، لأنهم يستخدمون جميع الأسلحة المتاحة، الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، كما أنهم يستهدفون مخيمات النازحين.

 من جهتها أفادت ياسمين القاضي، رئيسة مؤسسة فتيات مأرب بأن ما يحدث “جرائم حرب”، مؤكدة أن الوضع الإنساني سيء جدا ويجب على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الرد، ليس فقط من خلال إصدار بيانات إدانة غامضة.

أمريكا عاجزة

وترى الصحيفة أنه من غير المرجح أن تنجح محاولات الأمم المتحدة الجديدة لإنهاء الصراع، فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، لم تسفر محاولات وساطتها المختلفة عن أي شيء، إذ أنه في كل مرة، تحول متطلبات القرار 2216، من الوصول إلى حل.

ويعترف القرار المتخذ في أبريل/ نيسان 2015، بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، وينص على أنه يجب على الحوثيين التخلي عن الأراضي التي استولوا عليها وإعادة أسلحتهم الثقيلة.

من ناحية أخرى تقول “ليبراسيون” إن الولايات المتحدة الأمريكية تبدو عاجزة، حيث كان من أولى قرارات إدارة جو بايدن في فبراير/ شباط، إزالة الحوثيين من القائمة السوداء الأمريكية للمنظمات الإرهابية، التي أدرجهم فيها سلفه دونالد ترامب. 

ورغم ترحيب المنظمات غير الحكومية بهذا الإجراء، لخشيتهم من عدم القدرة على تقديم المساعدات الإنسانية، التي يعتمد عليها أكثر من 80٪ من السكان، لم تمنع الخطوة الأمريكية الحوثيين من شن هجومهم على مأرب.

ويقول توفيق الحميدي: “لقد اعتبروا هذا القرار بمثابة ضوء أخضر للهجوم”، في وقت أعلنت واشنطن انتهاء مساعدتها العملياتية للجيش السعودي وتسليمها أسلحة هجومية.

وأكدت الصحيفة الفرنسية أن الحوثيين يشعرون بأنهم في موضع قوة، إذا استولوا على مأرب فإنهم يحققون نصرًا استراتيجيًا ينهي الحرب في الشمال، ويضعف بشكل كبير حكومة هادي، كما ستعزز عائدات النفط والغاز الدولة التي يبنونها لأنفسهم .

بالمقابل وفي مواجهة تصميم الحوثيين، تبدو السعودية في حالة ذهول، حيث عانت من تصاعد الهجمات على أراضيها، تكتب “ليبراسيون”، فالمملكة عالقة تريد الانسحاب لكن بلا هزيمة أو إذلال. 

ويقول ستيفان لاكروا، أن الاعتراف بالهزيمة سيكون مكلفًا للغاية من الناحية السياسية، كما لم تعد المملكة قادرة على الاعتماد على شبكة العلاقات اليمنية المباشرة التي حافظت عليها لعقود من قبل مستشاري الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود الذين تمت إزاحتهم من دوائر السلطة من قبل ولي العهد محمد بن سلمان لصالح مقربيه.

 

وتلفت لاكروا، إلى أن محمد بن سلمان الذي اتخذ قرارًا بشأن التدخل المباشر للسعودية في الحرب عام 2015 “لم يتبق لديه سوى الأداة العسكرية، نظرًا لأنه فقد كل هذه الثروة المكونة من علاقات قديمة”.

ومع عدم وجود حل يلوح في الأفق، يستمر الصراع في إفقار اليمنيين، خاصة في شمال البلاد، إذ من المتوقع أن يعاني 16.2 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان، من الجوع هذا العام، بينهم 5 ملايين قد يتعرضون للمجاعة، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.

أما مأرب، التي كانت محمية نسبيًا حتى ذلك الحين، لم تعد بمنأى عن ذلك، فوفقا لياسمين القاضي: ” بعض العائلات لا تستطيع إطعام نفسها، فالآباء لا يمكنهم العثور على عمل، ولم يعد الأطفال يذهبون إلى المدرسة، فهم يعانون من نوبات هلع بمجرد سماعهم التفجيرات”.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

 اقرأ أيضًا: سر نفوذه.. إمبراطورية ضخمة لحاكم دبي داخل المملكة المتحدة