ما زال مجرم الحرب الليبي خليفة حفتر مستمرًا في عرقلته لعمل الحكومة الليبية الجديدة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة. حيث يستخدم الجنرال المنقلب رجاله داخل مجلس النواب الليبي لعدم السماح بتمرير الميزانية، الأمر الذي يصعب على الحكومة التصرف في الملفات الحيوية التي تحتاج فيها البلاد دعمًا ماليًا.

وكان من المقرر أن تعقد جلسة مجلس النواب في مدينة طبرق، الثلاثاء الماضي، لمناقشة تمرير الميزانية. وبالفعل، عقدت الجلسة لكن لم تتم مناقشة موضوع الموازنة، وحدثت عدة أشياء حالت دون إقرارها. ففي البداية، رفعت بعض الأصوات الموالية لحفتر تحذيرات للنواب، واصفة التصويت لصالح تمرير الموازنة بـ”الخيانة”.

كما كان النواب تحت ضغط وتهديد شديدين من مليشيات حفتر، فالجلسة منعقدة في طبرق، التابعة لعقيلة صالح رئيس البرلمان، والذي يتبع حفتر بدوره، ويعد الوجهة السياسية للانقلابي حفتر. فقد صرحت النائبة، أسماء الخوجة، قائلة: “النار أُطلقت بالقرب من مقر البرلمان، وسمعنا تهديدات للنواب من خارج القاعة”، مضيفة أنه لو أُقرّت الموازنة “لكان من المحتمل أن يتعرّض بعض النواب للأذى”. 

 

عدم بلوغ النصاب القانوني

وفي النهاية، تحجج نائبو حفتر بعدم حصول الجلسة على النصاب القانوني المقدر بـ120 نائبًا، في حين أن عدد المجتمعين لم يتجاوز 82 نائبًا. ورغم ما يبدو عليه الأمر من قانونية وشرعية، إلا أنه مخالف لمرات سابقة اتخذ فيها المجلس قراراته وأقر الميزانية دون بلوغ النصاب. فقد اعتمد مجلس نواب طبرق موازنة الحكومة المؤقتة الموالية لحفتر، بعدد يقل كثيرًا عن 120 نائب، بل وصل به الأمر أن يعقد اجتماعات بأقل من 30 نائبًا بعد هجوم حفتر على طرابلس في 2019. ولم تتحدث اللجنة التشريعية للبرلمان حينها مسألة النصاب القانوني للجلسات.

وفي ذلك، علق النائب من الشرق “زياد دغيم”، على عدم الإفراج عن الموازنة، بأن “تحديد نصاب الـ120 لإقرارها كلام حق أريد به باطل، وهو مخالف للمصلحة العامة والمقصد من فلسفة التشريعات”. حيث طالب دغيم رئيس اللجنة التشريعية بكشف محاضر جلسات البرلمان التي أُقرت الموازنات السنوية السبع السابقة، ليعرف الشعب بكم صوت اعتمدت.

وفي هذا دليل واضح على أن نواب حفتر لا يهمهم مصلحة الشعب الليبي، الذي يحتاج إقرار الميزانية لتسيير أعماله، بقدر ما يهمهم إرضاء حفتر، واستخدام الميزانية كورقة ضغط على الحكومة لإفشالها، والعودة بالبلاد لحالة الاقتتال.

 

مستقبل حفتر السياسي

ويخطط حفتر للترشح لانتخابات الرئاسة في ليبيا، وقد بدا ذلك في أكثر من موقف. فعلى سبيل المثال، في أبريل/نيسان الماضي، جمع حفتر أُسَر قتلاه في قاعة بمدينة بنغازي، وخلال حديثه معهم وعدهم بسكن وعمل، والتكفل بمصاريف تدريس أبنائهم. الأمر الذي جعل الأسر التي جمعها تهتف له قائلة:  “الشعب يريد.. حفتر الرئيس”.

لكن هناك مشكلة قانونية لديه، وهي أنه حامل لجنسية أمريكية بجانب الليبية، والقانون الليبي يمنع مزدوجي الجنسية من الترشح للرئاسة. كذلك كما أنه متهم بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، الأمر الذي قد يعرضه لمحاكمة دولية، وهذا أيضًا من موانع الترشح للرئاسة الليبية. وعلى ذلك، يحاول حفتر أن يعدل قانون الترشح كي يتمكن من الترشح للرئاسة. 

لكنه يقابل في ذلك رفضًا من نواب المنطقة الغربية في ليبيا، لذلك فهو يستخدم الميزانية كورقة مقايضة ضد الحكومة الشرعية إلى حين تعديل القانون. ويبدو أن الحكومة تعي ما يفعله حفتر، فقد جاء تصريح على لسان رئيس الحكومة الليبية بأنه لن يتنازل لحفتر، حيث قال الدبيبة في بث مباشر ردًا على أسئلة المواطنين، “لا يمكن أن نكون تحت سيطرة أي جهة داخلية مدعومة من الخارج، ويأخذون أموالًا خارجية، ويحاربوننا ويفتحون حروبًا هنا في ليبيا”.

 

لا توجد ميزانية.. فما الحل؟

في الحقيقة، فإن ما حدث لحكومة الوحدة الوطنية الجديدة، كان قد حدث كذلك في عهد حكومة الوفاق الوطني، التي تولت مقاليد الأمور في ليبيا من 2016 إلى 2021. فعندما عجز مجلس النواب عن الإفراج عن الموازنة، تحت تهديدات مليشيات حفتر لجأ المجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري، لخيار بديل، وهو إقرار ميزانية شهرية.

حيث اتفق المشري مؤخرًا مع محافظ المصرف المركزي “الصديق الكبير” وبحضور رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية سليمان محمد الشنطي، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نعمان الشيخ، على منح الميزانية للحكومة شهرًا بشهر وفق قاعدة (1/12).

والمشكلة هنا أن الحكومة تحت هذا الظرف ستكون مضطرة لاتباع نفس أسلوب حكومة الوفاق في الحصول على ميزانية شهرية من المصرف المركزي، الذي سيكون المتحكم الأبرز بهذه الطريقة في الأموال وطريقة صرفها. وفي حال تغيير الصديق الكبير ومجيء أحد المقربين من حفتر، فإن الأخير بذلك سيكون قد أغلق تمامًا مصادر الأموال على الحكومة، ما يعني فشلها بعدم تمكنها من حل المشكلات.

ولذلك، كان قرار خالد المشري واضحًا حين رفض إتمام توزيع المناصب السيادية إلا بعد توحيد المؤسسة العسكرية، وإلا لكان منصب محافظ البنك المركزي من نصيب أحد أفراد عصابة حفتر، وحينها لن يكون بإمكان الحكومة الشرعية الحصول على الميزانية الشهرية المؤقتة من المركزي بعد تعطيلها من البرلمان.

ونعود للمشكلة الكبرى وهي وجود حفتر الانقلابي العسكري الذي يريد تأسيس حكمًا سلطويًا دكتاتوريًا في ليبيا، وهو في سبيل ذلك يعطل مصالح الشعب، الذي ينتظر الميزانية لحل أزمة انقطاع الكهرباء، والأجور، وإعادة إعمار ما دمره عدوان حفتر، والأهم من ذلك تسييل الميزانية المخصصة لمفوضية الانتخابات للشروع في التحضير لهذه الانتخابات المصيرية والمحورية في تاريخ البلاد.

ولن يرتدع حفتر وداعموه ما دامت هناك دول إقليمية تدعمه كالإمارات ومصر، وما دام المجتمع الدولي يغض الطرف عن جرائمه.