تعيش الأردن في الأسابيع الأخيرة حالة من الاضطراب المتصاعد على خلفية الاحتجاجات المتزايدة من قبل المعلمين اعتراضا علي قرار النائب العام بوقف نقابتهم عن العمل وإغلاق مقرّاتها لمدة سنتين، فضلا عن اعتقال عدد من المعلمين وعلى رأسهم نقيب المعلمين الحالي وعدد من أعضاء مجلس الإدارة.

وتوسعت في الأردن رقعة احتجاجات المعلمين لتشمل أغلب محافظات المملكة خلال الأيام القليلة الماضية، فيما ارتفع سقف مطالبهم ليبلغ حد إسقاط رئيس الحكومة عمر الرزاز.

احتجاجات متصاعدة

وفي تصاعد لوتيرة الأحداث، فقد انتشرت الاحتجاجات ليخرج آلاف المعلمين وعائلاتهم، في مدن إربد، وجرش، والمفرق، والكرك، لتقوم السلطات باعتقال 20 معلما مساء الأحد حسب ما أعلن محامي نقابة المعلمين باسم فريحات.

وهتف المحتجون بشعارات تطالب بسقوط رئيس الحكومة عمر الرزاز، ووزير الداخلية سلامة حماد.

وكان مئات المعلمين الأردنيين قد اعتصموا مساء السبت، أمام وزارة التربية والتعليم في العاصمة عمّان، وأمام فروع نقابة المعلمين في المحافظات، احتجاجاً على حملة الاقتحامات والاعتقالات التي نفذتها الأجهزة الأمنية اليوم، وصدور قرار من نائب عام عمان بإغلاق مقرات النقابة لمدة سنتين. 

وطالب المعتصمون بالعودة عن قرار إغلاق النقابة، وإطلاق سراح أعضاء المجلس المعتقلين، وتراجع الحكومة عن كافة القرارات التي صدرت بحق النقابة، مؤكدين وقوفهم خلف مجلس نقابتهم الشرعي المنتخب، معتبرين أن تلك الإجراءات تهدف إلى كسر إرادة المعلم، ورددوا هتافات بينها “نقابتنا مهنية شرعية مية في المية”، و”النقابة ما تنحل. وما بدنا نعيش بذل”، و”عاش المعلم”.

وامتنع معلمون عن استكمال عمليات تصحيح امتحانات الثانوية العامة اليوم، احتجاجاً على هذه الإجراءات، فيما نفى مدير إدارة الامتحانات في وزارة التربية والتعليم، علي حماد، توقف عملية التصحيح، قائلاً إن انسحاب مجموعة من المعلمين لن يؤثر على سير العملية

والسبت، قرر النائب العام في عمان، حسن العبداللات، وقف عمل نقابة المعلمين وإغلاق مقراتها لمدة عامين، على خلفية قرارات قضائية.

تحذيرات حقوقية

وبدورها، حذرت لجنة الحريات وحقوق الإنسان في جبهة العمل الإسلامي الحكومة من مغبة استمرار موجة الاعتقالات التي طالت عدد كبيرا من المعلمين على خلفية حراكهم الرافض للإجراءات التعسفية الأخيرة بحق النقابة وما جرى من اعتقالات بحق قادتها.

كما حملت اللجنة الحكومة المسؤولية عن سلامة المعلمين المعتقلين بعد تدهور الحالة الصحية لعدد منهم نتيجة إضرابهم عن الطعام رفضا لاستمرار اعتقالهم تعسفيا.

وأكد رئيس لجنة الحريات في الحزب المحامي عبد القادر الخطيب أن “ما جرى من اعتقال العشرات من المعلمين مؤخرا وتوقيفهم يأتي دون مسوغات قانونية تبرر هذا الاعتقال التعسفي ودون سند قانوني وأن اعتقالهم كان لمجرد التعبير عن آرائهم سلميا”.

وطالب الخطيب الحكومة بـ”الإفراج الفوري عن جميع المعلمين المعتقلين ووقف سياسة التأزيم ضدهم ووقف استخدام النهج الأمني في التعامل مع مطالب المعلمين المشروعة، كما حمل الحكومة والأجهزة الأمنية المسؤولية الكاملة عن سلامة المعلمين من أعضاء مجلس النقابة مع دخول إضرابهم عن الطعام أسبوعه الثاني رفضا لاستمرار توقيفهم وتدهور الحالة الصحية لعدد منهم ونقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج”.

بدوره، أدان الحراك الأردني “كرامة” ما وصفه بـ”الإجراءات القمعية الحكومية غير المسؤولة المتمثلة في اقتحام مبنى مجلس نقابة المعلمين، وإغلاقه، واعتقال بعض أعضاء مجلس النقابة”، وحمل الحراك، في بيان، الجهات المعنية المسؤولية كاملة عن التصعيد الذي يأتي في سياق هجمة على مكتسبات الشعب، ومجتمعه المدني، معلنا وقوفه إلى جانب مجلس النقابة، ودعم مطالبه المحقة الممثلة لكافة المعلمين والمعلمات. 

 احتفاء إماراتي 

ويري مراقبون أن الإمارات ليست بعيدة عن المشهد، فقد عادت لتمارس دورها المعتاد في إثارة القلاقل وتأجيج النزاعات خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالإسلاميين وجماعة الإخوان المسلمين علي وجه التحديد.

ظهر ذلك في الاحتفاء الإماراتي الكبير بقرار إغلاق نقابة المعلمين في الأردن، وما صاحب ذلك من حملة تحريض عنيفة علي أعضاء النقابة والمعلمين من قبل الإعلام الإماراتي، حيث تلقفت أذرع الإمارات الإعلامية هذه الأنباء وبدأت بنشرها والاحتفاء بها وإخراجها عن سياقها واعتبرتها “حملة أردنية للتخلص من الجماعة”.

صحيفة “إندبندنت العربية” (سياستها متسقة مع السياسات السعودية والإماراتية) كانت أول من بدأ بالاحتفال بقرار النيابة الأردنية، ومهاجمة نقابة المعلمين.

إذ كشفت الصحيفة قبيل يوم واحد من حل النقابة توجه الحكومة إلى ذلك الإجراء، ناسبة ذلك إلى مصادر.

واعتبرت أن الهدف من وراء ذلك هو “استكمال حملة بدأتها السلطات لتقليم أظافر جماعة الإخوان”.

قناة “سكاي نيوز عربية” (مقرها أبو ظبي)، هي الأخرى تصدرت الهجوم على النقابة، فمنذ اللحظة الأولى لقرار القضاء الأردني ألحقت جميع أخبارها المتعلقة بالنقابة بـ”الفساد والخطاب التحريضي الإخواني”.

أما موقع “العين الإخبارية” الإماراتي، فلم يخف هو الآخر أجندة أبو ظبي تجاه الجماعة، وعكف على نشر متابعات وتحليلات ركزت على ربط نقابة المعلمين بجماعة الإخوان، وباتهامات الفساد.

وينضوي تحت نقابة المعلمين بالأردن نحو 140 ألف معلم، اختاروا ممثلهم في انتخابات ديمقراطية عام 2019، فاز فيها النقيب أحمد الحجايا، وهو لا ينتمي لجماعة الإخوان، إلا أنه توفي بحادث سير في أغسطس/ آب من العام الماضي.

وبعد وفاة الحجايا تولى منصب نقيب المعلمين بالوكالة نائبه ناصر النواصرة.

وانتماء النواصرة لجماعة الإخوان لا يعني أن النقابة تعمل وفقا لأجندة حزبية كما روجت وسائل الإعلام الإماراتية، فالنقابة التي تأسست عام 2011، ينتسب إليها نحو 140 ألف معلم من انتماءات مختلفة، ويديرها 13 عضوا كل منهم لديه توجه مختلف، وفق مراقبين.

ويعتبر المراقبون، أن “الإخوان المسلمين أصبحوا كابوساً يؤرق قادة الإمارات، ومردّ ذلك الخشية من إطاحة الجماعة بهم وحلفائهم في المنطقة”.