في لحظة فارقة من التوتر الإقليمي، استيقظ الإيرانيون فجر الجمعة على دوي انفجارات عنيفة ضربت مواقع بالغة الحساسية في عمق البلاد، كان من بينها منشآت نووية ومراكز صاروخية ومقار قيادية للحرس الثوري.

اتُّهمت إسرائيل بالوقوف خلف هذا الهجوم، الذي خلّف قتلى من كبار القادة والعلماء، فيما بدا أنه تصعيد غير مسبوق في الصراع الخفي بين الجانبين.

لكن، ما الذي يدفع تل أبيب لضرب هذا العمق في هذا التوقيت بالذات؟ وهل باتت المواجهة المباشرة خيارًا مطروحًا؟ هذه سبعة أسئلة تساعد على تفكيك المشهد.

ما طبيعة الهجوم الأخير؟

تشير المعطيات إلى أن الضربات لم تكن “تكتيكية” أو محدودة كما اعتادت إسرائيل في الماضي، بل جاءت ضمن عملية شاملة بدأت في ساعات الفجر الأولى، واستهدفت أكثر من 300 موقع وفق تسريبات إسرائيلية. 

من بين الأهداف: منشأة نطنز النووية، ومراكز لإنتاج الصواريخ الباليستية، ومقرات تضم قيادات عليا في الحرس الثوري.

وقد أعلنت طهران عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين، بينهم من يُعدّون من رموز النظام، في حين تحدثت وسائل إعلام إيرانية عن خسائر مدنية بالعاصمة طهران.

لماذا الآن؟ التوقيت ليس بريئًا

تتزامن هذه العملية مع اقتراب استئناف المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان، ما يطرح تساؤلات حول نوايا إسرائيل بتخريب أي مسار دبلوماسي يمكن أن يمنح طهران شرعية نووية جديدة.

كذلك، فقد صدرت مؤخرًا إدانة أممية لإيران تتعلق بعدم امتثالها لالتزامات اتفاقية عدم الانتشار، ما وفّر لإسرائيل غطاءً دوليًا ضمنيًا. وإلى جانب كل ذلك، يواجه نتنياهو ضغوطًا داخلية متزايدة، وقد تكون هذه الضربة محاولة لإعادة ضبط المشهد السياسي عبر تصدير أزمة خارجية.

من خسرته إيران في هذا الهجوم؟

الإعلان الإيراني عن مقتل قادة كبار مثل حسين سلامي (قائد الحرس الثوري)، ومحمد باقري (رئيس الأركان)، وغلام علي رشيد (قائد مقر خاتم الأنبياء) يعني أن إسرائيل وجّهت ضربة مباشرة لمراكز صناعة القرار العسكري في الجمهورية الإسلامية.

كما أفادت مصادر أخرى بأن علماء نوويين بارزين قد قتلوا أيضًا، بينهم أسماء مرتبطة بتطوير تقنيات التخصيب، الأمر الذي يجعل من الضربة تغييرًا استراتيجيًا في نهج تل أبيب، من اغتيالات سرية إلى استهداف علني مكثف.

كيف استجابت طهران؟

الرد الإيراني حتى الآن محصور في التهديدات، حيث توعد المرشد الأعلى علي خامنئي بـ”عقاب مؤلم”، فيما حمّلت وزارة الخارجية الإيرانية الولايات المتحدة جانبًا من المسؤولية، معتبرة أن مثل هذا الهجوم لا يمكن أن يتم دون تنسيق مسبق مع واشنطن.

ورغم الغضب الرسمي، فإن الرد العسكري الإيراني لم يُفعّل بعد، ما يفتح الباب أمام خيارات متعددة: التصعيد المحدود عبر وكلاء إقليميين، أو رد مباشر واسع قد يجر المنطقة إلى دوامة عنف مفتوحة.

 أين تقف الولايات المتحدة؟

رغم نفيها المشاركة في العملية، إلا أن واشنطن لم تدنها، واكتفت بتحذير طهران من استهداف مصالح أميركية. كما سحبت قبل أيام موظفيها من عدة مواقع في الشرق الأوسط، ما يرجح أنها كانت على علم مسبق بالضربة أو توقعت تصعيدًا قادمًا.

وتأتي هذه الأحداث في وقت يمر فيه الملف النووي بمرحلة حرجة، خصوصًا مع رفض إدارة ترامب تقديم تنازلات لطهران، وتصريحات الرئيس السابقة عن أن “الفرصة الدبلوماسية قد لا تصمد”.

هل حُسم مصير المفاوضات النووية؟

ضربة بهذا الحجم تضع المحادثات النووية على المحك. من المستبعد أن تدخل طهران جولة جديدة من التفاوض وهي تنزف، بينما يسود شعور بالإهانة في أعلى هرم السلطة. قد تختار إيران تعليق المفاوضات، أو استخدام نتائج الضربة كورقة ضغط على الأطراف الغربية.

في كل الأحوال، فإن أي محاولة لإحياء الاتفاق النووي باتت بحاجة لإعادة تقييم شاملة، سواء من حيث الشروط التقنية أو الضمانات الأمنية.

هل هذا بداية حرب أم نهاية مرحلة؟

إسرائيل تدرك أن إيران لن ترد بالصمت، لكن يبدو أنها تراهن على رد محسوب لن يجرّ المنطقة لحرب شاملة. بالمقابل، يدرك الإيرانيون أن الرد العنيف قد يمنح تل أبيب الشرعية الدولية لمواصلة التصعيد، وربما حتى ضرب مفاعلات نووية كاملة.

وفي ظل الغياب شبه التام للوساطات الفاعلة، يبقى الخطر الأكبر هو فقدان السيطرة على وتيرة التصعيد، خصوصًا إذا دخلت أطراف أخرى على الخط، من حزب الله إلى مليشيات الحشد في العراق، مرورًا بجماعات أخرى في سوريا واليمن.

خلاصة: نقطة تحول إقليمي

بعيدًا عن تفاصيل الضربة، يبدو أن إسرائيل أرادت تغيير قواعد اللعبة. هي لم تعد تكتفي بعرقلة المشروع النووي الإيراني، بل تسعى لتدمير البنية الاستراتيجية التي تحميه. أما إيران، فباتت أمام امتحان كبير: هل تردّ بردّ مدوٍّ، أم تلتزم بخيار “الصبر الاستراتيجي” الذي استخدمته سابقًا؟

في كلتا الحالتين، فإن الشرق الأوسط دخل مرحلة حرجة، قد تعيد رسم موازين القوى، ليس بين طهران وتل أبيب فحسب، بل على مستوى التحالفات الدولية والإقليمية أيضًا.

اقرأ أيضًا : من طوابير الجوع إلى ساحات القتل: كيف حوّلت واشنطن المساعدات إلى فخاخ دامية في غزة؟