بين رمال مطروح الهادئة، اندلعت عاصفة من الغضب الشعبي والقبلي، على خلفية ممارسات أمنية وصفها السكان بـ”الهمجية والمنفلتة من القانون”.

فما بدأ بمحاولة اعتقال أحد المطلوبين، انتهى بتصفية ميدانية لشابين وتسليم جثتيهما في أكياس بلاستيكية، واحتجاز نساء بلا تهمة، وقطع الثقة نهائيا بين القبائل والسلطة الأمنية.

ما يحدث في محافظة مرسى مطروح ليس مجرد تجاوز أمني، بل يمثل لحظة خطرة من لحظات الانفجار الشعبي في منطقة طالما عُرفت بولائها واستقرارها.

 

الشرارة الأولى: عملية أمنية تنتهي بمجزرة

بدأت الأحداث الدامية عندما تلقت قوة من قسم شرطة النجيلة معلومات عن وجود المدعو فايز عميرة، المطلوب في قضية مخدرات وحكم عليه غيابيًا بالمؤبد، داخل منزل أحد أقاربه في القرية. 

لم تكن العملية الأمنية تقليدية؛ إذ استخدمت الشرطة سيارات مدنية وتسللت إلى المنطقة بالتزامن مع احتفال شعبي (زفة عرس)، محاولة التمويه على وجودها.

لكن المداهمة تحولت إلى اشتباك مسلح، أسفر عن مقتل ثلاثة من أمناء الشرطة: عمر المصري، محمد حسن سلامة، وكريم محمد خليفة، وإصابة اثنين آخرين.

ومع ذلك، تمكن المتهمان من الفرار باتجاه الحدود الليبية، لتبدأ بعدها سلسلة من الانتقامات الأمنية التي فجّرت الغضب في مطروح.

الرد الأمني: تنكيل واحتجاز للنساء وتصفيات ميدانية

لم تنتظر وزارة الداخلية نتائج التحقيق، بل تحركت برد فعل انتقامي همجي. في اليوم التالي، اقتحمت قوات الأمن منازل عائلة عميرة، واعتقلت 24 سيدة، من بينهن زوجة حميد عميرة، في مشهد لم تشهده مطروح منذ عقود، حيث جرى احتجاز النساء دون توجيه أي تهم، ودون احترام لخصوصية المجتمع القبلي.

حينها تدخل كبار العائلات ونواب محليون محاولين احتواء الأزمة، واقترحوا تسليم شابين من أقارب المطلوبين لأخذ أقوالهم مقابل إطلاق سراح النساء، احترامًا للأعراف القبلية. 

ولكن الصدمة كانت مروعة: الشابين اللذين سلّما نفسيهما – يوسف عيد السرحاني (17 عامًا) وفرج رياش الفزاري (18 عامًا) – جرى تصفيتهما فورًا بعد أن أُخذا إلى منطقة صحراوية، حيث أُجبرا على الركض، ثم أُطلقت عليهما الرصاصات من الخلف.

بحسب شهود عيان، فإن الجثتين تم العثور عليهما في ظروف تشير إلى أن القتل لم يكن في مواجهة أو اشتباك، بل إعدام ميداني.

وتداولت القبائل وصف ما جرى بأنه “قتل خارج إطار القانون”، و”اغتيال بدم بارد”، ما فتح أبواب الغضب الواسعة على النظام الأمني في المحافظة.

غضب قبلي وتمرد على الدولة الأمنية

الحدث الصادم دفع مجلس عواقل مطروح لإصدار بيان ناري أعلن فيه وقف التعاون الكامل مع وزارة الداخلية وقسم شرطة النجيلة، إلى حين محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات والتصفية.

كما طالبوا بلقاء عاجل مع رئيس الجمهورية لنقل مطالبهم، مؤكدين أن ما جرى يمثل انتهاكًا فاضحًا للقانون، وإهانة صريحة للأعراف القبلية التي لطالما ساهمت في حفظ الأمن.

الأمر لم يتوقف على مطروح؛ بل أعلنت قبائل من الإسكندرية والبحيرة تضامنها الكامل مع عائلات الضحايا، ما ينذر بتوسّع رقعة الغضب غرب البلاد، وتحول الأزمة من محلية إلى قومية، خصوصًا في ظل استمرار صمت وزارة الداخلية عن التعليق أو التوضيح.

المسار القانوني والتهديد بالتصعيد

في ظل تصاعد الأزمة، أعلن نقيب المحامين السابق في مطروح، ممدوح راغب الدربالي، عن تقديم بلاغات عاجلة للنائب العام بشأن وقائع القتل العمد والاعتقال القسري بحق النساء. كما أشار إلى وجود شهود ومستندات توثق كيفية تسليم الشابين، وما جرى لهما بعد ذلك.

من جانبه، حذّر أحد عمد مطروح من استقالة جماعية لمجلس المشايخ في حال عدم محاسبة المتورطين. وجاء في تهديده الصريح: “كرامة القبائل لا تُشترى، وإذا لم تستجب الدولة فكل الخيارات مفتوحة”.

غليان مجتمعي يكشف وحشية الدولة الأمنية

ما يحدث في مطروح ليس حادثًا عابرًا ولا سوء تقدير أمني. بل هو صورة أخرى من الدولة البوليسية التي لا تتردد في كسر كل الأعراف، وانتهاك القانون، وارتكاب جرائم تصفية جسدية، تحت غطاء “العدالة السريعة”.

في الوقت الذي تدّعي فيه السلطات حرصها على الأمن والاستقرار، تدفع سياستها الوحشية المجتمعات القبلية إلى الرفض والتمرد.

فهل تتحرك مؤسسات الدولة لوضع حد لهذا الانفلات الدموي؟ أم أن مطروح ستكون شرارة لغضب أكبر؟

اقرأ أيضًا : شحنة المساعدات ليست بريئة: حين تُغلف السياسة بثوب الإنسانية