اتخذ الرئيس التونسي جملة من القرارات الاستثنائية منها تجميد اختصاصات البرلمان، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، من مهامه، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية. وبعد ذلك بساعات، قرر إعفاء وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل بالنيابة، حسناء بن سليمان، من مناصبهم.

بالإضافة إلى ذلك، قرر سعيد تولي الكتاب العامين أو المكلفين بالشؤون الإدارية والمالية تصريف الأمور الإدارية والمالية في رئاسة الحكومة والوزارات (الدفاع، الداخلية، العدل)، إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد، وتكليف خالد اليحياوي، المدير العام لوحدة الأمن الرئاسي، بالإشراف على وزارة الداخلية بعد إقالة الحكومة.

كما أغلق الجيش مبنى البرلمان ومنع رئيسه وعدد من النواب من دخول مقر المؤسسة التشريعية. وتم تعطيل العمل بالإدارات المركزية والمصالح الخارجية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية لمدة يومين، حسب “رويترز”. وقرر سعيد منع حركة الأفراد والمركبات اعتبارًا من السابعة مساء وحتى السادسة صباحًا من الإثنين وحتى الجمعة 27 أغسطس/ آب باستثناء الحالات الصحية الطارئة وأصحاب العمل الليلي. 

كذلك تقرر منع حركة الأفراد والمركبات بين المدن خارج أوقات حظر التجول باستثناء الاحتياجات الأساسية والظروف الصحية الطارئة، ومنع تجمع أكثر من ثلاثة أفراد في الطرق والميادين العامة.

 

التذرع بالفصل 80 من الدستور

وفي كل هذه القرارات، تذرع سعيد بالمادة رقم 80 من الدستور التونسي، الخاصة بالإجراءات الاستثنائية. حيث ورد في المادة: “لرئيس الجمهورية في حالة خطرٍ داهمٍ مهددٍ لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدّولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشّعب وإعلام رئيس المحكمة الدّستورية، ويعلن عن التّدابير في بيان إلى الشعب”.

ووفق الفقرة الثّانية من نفس الفصل “يجب أن تهدف هذه التّدابير إلى تأمين عودة السّير العادي لدواليب الدّولة في أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب (البرلمان) في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة”. 

وتتحدث الفقرة الثالثة من الفصل 80 ، عن أنه “بعد مضيّ 30 يومًا على سريان هذه التّدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو 30 من أعضائه البتُّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه. كما يشير ذات الفصل في فقرته الأخيرة إلى أن “المحكمة تُصرِّحُ بقرارها علانية في أجل أقصاه 15 يومًا، ويُنهى العمل بتلك التّدابير بزوال أسبابها. ويوجه رئيس الجمهورية بيانًا في ذلك إلى الشعب”.

 

إجراءات مخالفة للدستور

في هذا الإطار، أكد خبراء قانونيون أن المادة التي استند إليها الرئيس لا تعطيه الشرعيّة لاتخاذ مثل تلك التدابير، بالنظر إلى أنها تحتّم وجود خطر داهم يهدد البلاد أوّلًا، وتقتضي من رئيس الجمهورية استشارة رئيسي الحكومة والبرلمان، ولا تخوّله الحقّ بتجميد البرلمان، بل تنصّ على انعقاده على امتداد فترة الإجراءات الاستثنائية المعلنة، كما لا تمنحه الحق بتوجيه لوم إلى الحكومة.

وقال أستاذ القانون الدستوري، رابح الخرايفي، عن قرارات سعيد إنه” طالما أن المحكمة الدستورية غير موجودة، فقد خرق الإجراءات التي تستوجب استشارة رئيس الحكومة وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ولكن كل هذا لم يحدث”. وأضاف أنه “لا يوجد أي فصل يتحدث عن تجميد الاختصاصات التشريعية للبرلمان، فالفصل 80 ينص على حالة انعقاد، وآلية التجميد غير موجودة في الدستور”. كما بين الخرايفي أنه “رغم تنصله من الحديث مباشرة عن الفصل 80، إلا إنه استعمل الإجراءات الاستثنائية”.

كذلك، رأت أستاذة القانون سناء بن عاشور، أن ”الدستور واضح وأن كل ما أعلنه رئيس الجمهورية قيس سعيد مخالف تمامًا للدستور”. وتابعت بن عاشور أن الفصل 80 الذي استند عليه سعيد في ما أعلنه لا ينص بأي حال على ما اتخذه من قرارات. وتابعت ”الرئيس يدجّل علينا.. أنا خائفة من المجهول الخطير الذي ينتظرنا”، مضيفًا أنه “لم يبق أي سقف للمؤسسات”.

 

غياب المحكمة الدستورية

ويعد غياب المحكمة الدستورية في تونس أحد أسس هذه الأزمة، فقد رفض سعيّد التصديق على تعديل قانون المحكمة الدستورية، في 3 أبريل/ نيسان الماضي، ورده إلى البرلمان من أجل قراءة ثانية، مبررًا رده للقانون بانتهاء مدة انتخاب أعضاء المحكمة. وفي 4 مايو/ أيار الماضي، جدد البرلمان إقرار المشروع بالتعديلات نفسها، والتي تجيز للمجلس الأعلى للقضاء ورئاسة الجمهورية اختيار 8 من أعضاء المحكمة دون انتظار استكمال البرلمان لانتخاب 3 أعضاء من أصل 4 ينتخبهم.

وتضطلع المحكمة بمراقبة مشاريع تعديل الدستور، والقوانين ومشاريع القوانين، والمعاهدات، والنظام الداخلي للبرلمان، كما تبت في حالات النزاعات المتعلقة باختصاصي الحكومة والرئاسة، وكذلك في حالات استمرار الطوارئ. لذا، فإن إصرار سعيد على رفض قانون تشكيلها أتاح له تفسير نصوص الدستور كما يحلو له.

وقد حذر عبد الكريم الهَاروني، رئيس مجلس شورى حركة “النّهضة” التونسية، منذ فترة أنّ غياب المحكمة الدستورية بالبلاد قد يشكل خطرًا على استقرار النظام السياسي فيها. وحث على “العمل الحثيث من أجل إرساء مؤسسة المحكمة الدستورية، باعتبارها من أكبر ضمانات الاستقرار السياسي في البلاد، وغيابها قد يشكل خطرا على النظام السياسي الحالي”.

كذلك واجه رئيس الجمهورية اعتراضات وانتقادات جادة من قبل بعض زملائه، ومن هؤلاء المحامي أحمد صواب، القاضي الإداري، والذي اعتبر بدوره حينها أن موقف الرئيس من مشروع القانون “غرابة تزيد في اغتراب الرئيس في الزمان والمكان”. مضيفًا: “كأني به يقول: طالما أنا هنا لن تتحقق المحكمة الدستورية”، كما أشار إلى أن هذا الموقف “ضرب لشرعية المجلس الأعلى للقضاء، الذي تم تركيزه أيضاً بعد تجاوز المدة القانونية”.