في مارس 2022 خرج قائد الانقلاب العسكري في مصر “عبد الفتاح السيسي” متحدثاً عن حال الأطباء في البلاد، وتطرق للحديث عن هجرتهم المستمرة بالرغم من العجز في عددهم.

قال السيسي حينها “الأطباء اللي بيمشوا..هو أنا بديله مرتب كويس ولا مش عاوز أديله مرتب كويس؟ أنا مش قادر أديله مرتب كويس”، مشيراً أن المال هو السبب الرئيسي الذي يدفع الأطباء لترك بلادهم بحثاً عن العمل في بلاد الخليج أو أوروبا.

لكن في الحقيقة هناك دوافع أخرى أكبر من المال تدفع الطبيب للتفكير في الهجرة حتى قبل التخرج.

 

ليس من أولويات الحكومة 

رغم محاولة السيسي إثارة ملف الأطباء إعلامياً، إلا أن هذا الملف لم يشهد أي تقدم ملحوظ، بل نستطيع القول بأن السيسي أراد أن يظهر الأطباء في صورة الجشع الذي يلهث وراء المال في ظل ظروف صعبة تمر بها مصر، حتى لا يُسأل عن وضع الأطباء السيئ في مصر.. 

بعيداً عن المال، فإن تحسين بيئة عمل الأطباء والمنظومة الصحية ليس على قائمة أولويات الحكومات المصرية لأنه لو كان غير ذلك لتغير نهجها منذ عقود بداية من الاهتمام بوضع الطبيب وإصلاح المنظومة الصحية، إضافة لذلك فإن إهمال منظومة الصحة ليس وليد اللحظة، وإنما نهج في جميع الحكومات السابقة، فلا تحسن في المستوى المادي ولا في التدريب والتنمية المهنية، ولا حتى من جهة بناء المشافي وتزويدها بالأجهزة المتطورة والإدارات الرشيدة والبنية التحتية الطبية وبالتالي تتحمل الحكومة المسئولية ولا يريد “السيسي” بتصريحه إلا أن يبرأ نفسه من الفشل في ملف الأطباء أمام الشعب.

يُشار كذلك إلى أن الأطباء يبحثون في الخارج عن نظام تعليمي متقدم حياة بلا ضغوطات للتفرغ للبحث العلمي، بل عن حياة آدمية متوفر فيها وسائل طبية جيدة وهذا غير متاح في مصر حيث أكد العديد من الطلاب أن المنظومة الصحية التي عملوا خلالها في سنة الامتياز لا تعلمهم شيئا.

 

إحصائيات

أدى تراكم الأزمات التي أشرنا إليها إلى استقالات بالجملة في صفوف الأطباء وهروب جماعي من بيئة العمل.

في عام 2016 على سبيل المثال، كان عدد المستقيلين من الأطباء 1044 طبيباً، و في عام 2017 زاد العدد  إلى 2549  طبيباً، وفي عام 2018 استمر عدد المستقيلين في الارتفاع حيث بلغ 2612 طبيباً، وقفز هذا الرقم إلى 3507 أطباء في 2019، وتراجع العدد قليلاً في 2020 بسبب أزمة جائحة كورونا إلى 2968 طبيبا، لكنه عاود الارتفاع مجدداً بوتيرة أكبر في عام 2021 وبلغ  4127 طبيباً.

كما يشار إلى أن عدد الأطباء المرخص لهم بمزاولة مهنة الطب حتى آخر عام 2018 بدون الأطباء على المعاش قد وصل 212 ألفا و 835 طبيباً، في حين أن من كان كان يعمل فعلياً بالجهات المختلفة التي تشمل وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية الحكومية والخاصة و جامعة الأزهر المستشفيات الشرطية 82 ألف طبيب فقط بنسبة 38% من القوة الأساسية المرخص لها بمزاولة مهنة الطب.

 

نقابة الأطباء تدق ناقوس الخطر 

تحت عنوان “نقابة الأطباء تدق ناقوس الخطر” حذرت نقابة الأطباء في مصر، من مستقبل غامض ينتظر المستشفيات الحكومية بعد الاستقالات الجماعية للأطباء من العمل الحكومي الذي أدى إلى وجود عجز حاد في عدد الأطباء، فقد أعلنت عن استقالة 11 ألفا و536 طبيباً من العمل بالقطاع الحكومي منذ 2019، مشيرة إلى أنها رصدت استقالة 934 طبيباً منذ بداية العام الجاري حتى 20 آذار/ مارس الماضي، جدير بالذكر أنه يبلغ المعدل العالمي للأطباء عبر العالم 23 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن، فيما تبلع النسبة في مصر 8.6 بالمئة من المعدل العالمي، بحسب دراسة صادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتعاون مع وزارة الصحة في عام 2019.

الخلاصة أن مشكلة مصر ليست في نقص الأطباء، وأفضل من النسب العالمية لعدد السكان، ولكن المشكلة الحقيقية هي أن 60 بالمئة من الأطباء هربوا إلى الخارج لعدة أسباب من بينها فساد بيئة العمل وتشمل سوء حالة المباني ونقص التجهيزات والآلات والأدوات والأدوية والمستلزمات وفساد بروتكولات العمل من طول ساعات العمل ومنع الإجازات ونقص التدريب وغياب فرص التأهيل العلمي.

إضافة لذلك فإن الافتقاد إلى الأمن والأمان الوظيفي في العمل وكثرة الاعتداءات على الأطقم الطبية بصورة شبه يومية، كان من أهم أسباب الهجرة الجماعية للأطباء.

علاوة على تدني الأجور بصورة عامة لا تتناسب مع الوقت ولا مع المجهود المبذول مع وجود نوع من التمييز بين الأطباء بحسب الجهات التي يعملون بها سواء عسكرية أو مدنية، ويبقى الرقم الصادم وهو مبلغ تسعة عشر جنيهاً مصرياً وهو بدل العدوى الثابت للطبيب بما يساوى أقل من دولار وربع شهرياً .. كل هذه العوامل هي الدوافع الحقيقة وراء هجرة الأطباء المتزايدة ومن المتوقع أن يزداد الأمر تعقيداً خلال السنوات المقبلة.