العدسة – معتز أشرف:

حدَّد المرصد السياسي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى المقرب من دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية 4 ضوابط للسياسة الأمريكية المتوقعة في مفاوضات السلام اليمنية، في ظل اتجاه مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، مارتن غريفيث، لوضع إطار جديد لمفاوضات السلام إلى مجلس الأمن الدولي في منتصف يونيو، في ظل عقبات كثيرة في طريق إقرار السلام اليمني.

عقبات التصعيد!

وبحسب تقدير الموقف الذي وصل “العدسة” فإنّ مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، مارتن غريفيث على الرغم من أنّه دبلوماسي محترم ومتمرس وقدير، إلا أنَّ توقيته وليس مهاراته ربما يشكّل أكبر حجر عثرة له؛ حيث تتزامن دعوته للمفاوضات مع حدوث تصعيد عسكري في اليمن، حيث تواصل جماعة الحوثي المتمردة إطلاق الصواريخ على السعودية، بينما تستعد قوات التحالف إلى الاستيلاء على ميناء الحديدة، وبالتالي فمن غير المرجح أن يلتفت أي من الجانبين إلى تحذير غريفيث من أن التصعيد العسكري يمكن أن “أن يؤدي إلى إزالة عملية السلام عن الطاولة بضربة واحدة”.

وأضاف أنّ غريفيث هو ثالث مبعوث خاص للأمم المتحدة إلى اليمن منذ بدء الصراع في مارس 2015، ورغم ذلك  فشلت محاولات عديدة لإحلال السلام، بما فيها تلك التي جرت في يونيو 2015 في جنيف، ومحادثات سبتمبر 2015 في مسقط، ومحادثات ديسمبر 2015 في بيال، سويسرا، كما مثلت محادثات ربيع 2016 في المملكة العربية السعودية أفضل فرصة لإنهاء الصراع، لأنها كانت أول مفاوضات مباشرة بين السعوديين والحوثيين، الذين وافقوا بشكل مفاجئ على تخفيف حدة القتال وتبادل السجناء، كما غيَّر الطرفان خطابهما: فقد انتقد ناطق باسم الحوثيين إيران علانية لاستغلالها للحرب، بينما بدأ السعوديون يصفون الحوثيين بـ “حركة” بدلاً من “مقاتلين متشددين”، ومع ذلك، فقد كان سر نجاح تلك المحادثات على الأرجح هو سبب سقوطها أيضًا، حيث لم تشمل المفاوضات مشاركة وفود من مُعَسْكري هادي أو صالح، وبالتالي عندما حاول السعوديون تمرير عصا السلطة إلى حكومة هادي من أجل متابعة المفاوضات في الكويت، تبدد الزخم، وربما كردّ على استبعاده، عيّن الرئيس هادي عدوًا حوثيًا بارزًا، هو الجنرال علي محسن الأحمر، كنائب للرئيس قبل أسبوع من افتتاح المحادثات الكويتية، مما ساهم في انهيارها في نهاية أغسطس 2016. وبعد شهرين من ذلك التاريخ، رفض هادي خطة الأمم المتحدة الجديدة، وبذلك فشل الجهد الأخير الذي بذله وزير الخارجية المنتهية ولايته آنذاك جون كيري في ديسمبر، ومنذ ذلك الحين، ظهرت تعقيدات إضافية وتحولت الولاءات.

قضايا يلزم حلها

وأشار المرصد السياسي للمعهد في تقديره الي أن الجولة القادمة من المفاوضات تحتاج إلى أن تشمل مجموعة أوسع من الفصائل، كما لابدّ أن يدعى إليها اليمنيون من جميع الانتماءات السياسية، خاصة أنه في الوقت الحالي يبدو أن غريفيث يتمتع بثقة الجهات الفاعلة الرئيسية، وهو عنصر مهم في التأكد من عدم تحوّل أي طرف إلى جهة مفسدة، وبالإضافة إلى حكومة هادي والحوثيين، التقى مبعوث الأمم المتحدة مع التجمعات النسائية، و”المجلس الانتقالي الجنوبي”، ومع كلا الفصيلين في “مؤتمر الشعب العام”، من بين آخرين، وقد يقرر غريفيث توسيع عدد الأطراف المشاركة في المفاوضات، سواء على الفور أو أثناء مرحلة انتقالية نهائية، وبالتالي يتعيّن على الجولة القادمة من المحادثات مواجهة القضايا القديمة أيضًا؛ حيث فشلت المحادثات السابقة إلى حد كبير بسبب عدم موافقة الأحزاب حول ترتيب التنازلات، فحكومة هادي تريد أن يتم نزع سلاح الحوثيين وانسحابهم من الأراضي التي تمّ الاستيلاء عليها قبل التوصل إلى اتفاق سياسي، بينما يريد الحوثيون الاحتفاظ بأسلحتهم إلى أن يتم التوصل إلى الاتفاق المذكور، بحجة أن مطالب هادي ستكون بمثابة استسلام.

وأضاف المرصد أن غريفيث قد يضطر أيضًا إلى التعامل مع عدم الرغبة العامة لكل طرف في تقديم تنازلات، ففي المفاوضات السابقة، بدا الرئيس هادي مترددًا في اتخاذ قرارات أو تقديم أي تنازلات قد تقوض موقفه السياسي، في حين غالبًا ما لعب الحوثيون لعبة الانتظار، معتقدين أن التحالف لا يستطيع طردهم من العاصمة..

وأوضح المرصد أنه إذا ما جرت محادثات، فمن المحتمل أن تكون الشروط الرئيسية لكل جانب متسقة مع المفاوضات السابقة؛ حيث أكدت حكومة هادي بشكل عام على ثلاثة مطالب هي( 1) يتعيّن على الحوثيين نزع سلاحهم والانسحاب من جميع الأراضي التي استولوا عليها، بما فيها مناطق في محافظاتهم شمال البلاد، (2) يجب أن تنسجم الخطة الانتقالية مع إطار “مبادرة الخليج” لعام 2011، أي نتائج “مؤتمر الحوار الوطني”، و”قرار مجلس الأمن الدولي” رقم 2216، و(3) يجب اختيار أي رئيس في المستقبل عن طريق الانتخابات، ومن جانبهم، أصرَّ الحوثيون على ما يلي: (1) إقامة حكومة انتقالية مؤقتة برئاسة مجلس رئاسي أو نائب رئيس متوافق عليه قبل الانتخابات، (2) مشاركتهم في الحكومة، و(3) إقالة الرئيس هادي ونائب الرئيس علي محسن. ومن الشروط الأخرى غير المؤكدة، بل المحتملة، دمج المقاتلين الحوثيين في الجيش، و[تخصيص بعض] أموال إعادة الإعمار إلى محافظاتهم الأصلية، وإزالة العقوبات الدولية.

وأشار التقدير إلى أنه من المحتمل أن يكون لدى السعوديين شروط خاصة بهم أيضًا، مما يضمن كسر الروابط الحوثية- الإيرانية وإزالة الألغام من الحدود والممرات المائية في المقام الأول، وقد لا يزال الحوثيون على استعداد للتقليل من أهمية طهران كحليف سياسي لصالح إقامة علاقات مع الرياض خاصة أنه خلال المحادثات مع السعوديين عام 2016، أجرى مفاوض الحوثيين الرئيسي مقابلة رفض فيها إقامة علاقة وثيقة مع إيران، مؤكدًا على تاريخ اليمن المشترك مع المملكة العربية السعودية، وبعد عامين من الدعم الإيراني الإضافي، من غير الواضح ما إذا كان بإمكان الحوثيين رؤية التواصل مع المملكة على أنه يصب في مصلحتهم على المدى الطويل أكثر من الشراكة مع إيران.

توصيات للسياسة الأمريكية

المرصد السياسي لمعهد وانشطن قدم عددًا من التوصيات للسياسة الأمريكية، مؤكدًا أن الطريق إلى السلام في اليمن محفوف بالمخاطر، لذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تدعم استراتيجية التفاوض الخاصة بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة من خلال أربع مسارات: وهي دعم مهمة المبعوث علانية وتشجيع التحالف على الاعتماد على الرئيس هادي للقيام بالمثل، وتشجيع توسيع المحادثات لضمان أن يكون بإمكان كل جانب- الذي يتمتع بما يكفي من القوة لأن يكون مفسدًا- الانضمام إلى العملية في مرحلة ما، وتشجيع حكومة هادي على إعادة النظر في تفسيرها الدقيق لـ”القرار 2216″ والاتفاقيات والسوابق الماضية الأخرى، مما يضمن مجالًا كافيًا للتوصل إلى حل وسط، وتشجيع السعوديين على الانضمام إلى المحادثات مباشرة، كما فعلوا سابقًا، أو إجراء مباحثات عن طريق القنوات الخلفية لتعزيز مبادرة سلام مدعومة محليًا وإقليميًا.

وأشار المرصد إلى أنه حتى لو نجح غريفيث في التوصل إلى وقف إطلاق نار أساسي، فإنّ العمل من أجل التوصل إلى خطة انتقالية وهياكل دولة جديدة سيستغرق شهورًا، إن لم يكن سنوات، من المفاوضات، فقد أثارت الحرب صراعات داخلية أخرى لم يتم حلها فضلًا عن ارتفاع أصوات إضافية تطالب بحكم ذاتي من مختلف أنحاء اليمن.