فجر جديد في قطاع غزة حمل معه وجعًا متجددا، لا لأن القصف توقف بالأمس، بل لأن الاحتلال الإسرائيلي قرر أن يصعّد من وحشيته، ويرتكب أربع مجازر دامية طالت مراكز الإيواء التي تضم آلاف العائلات النازحة من بيوتها، بحثًا عن وهم الأمان. 

ومع احتراق أجساد الأطفال داخل صفوف دراسية كانت ملاذًا من الجحيم، يشتد صراخ الغزيين في ليل صامت لا يقطعه سوى تواطؤ الزعماء العرب، وعلى رأسهم عبد الفتاح السيسي ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان، الذين باتوا حماة للاحتلال بصمتهم، لا خصومًا له.

مجازر منظمة.. نار الاحتلال تطال الملاجئ

في ساعات الفجر الأولى ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة من المجازر البشعة في شمال ووسط قطاع غزة، استهدفت مراكز إيواء مكتظة بالنازحين ومنازل سكنية مزدحمة. 

ووفق وزارة الصحة الفلسطينية ومصادر طبية ميدانية، فإن ما لا يقل عن 50 شهيدًا ارتقوا خلال بضع ساعات فقط، في مشاهد يعجز العقل عن وصفها.

المجزرة الأولى وقعت شرق مدينة دير البلح، حيث قصفت طائرات الاحتلال منزل عائلة أبو سمرة، مما أدى إلى استشهاد 13 فلسطينيًا، معظمهم من النساء والأطفال. لم يكن المنزل سوى مأوى لعائلة فقدت كل شيء في العدوان، لتُفاجأ بصواريخ الاحتلال تمزق أجسادها.

في مخيم النصيرات، استهدفت غارات الاحتلال منطقة محطة “راضي للبترول”، والتي تحولت خلال الأيام الماضية إلى مركز إيواء لعائلات نازحة من مناطق أشد قصفًا. سقط في هذه المجزرة 15 شهيدًا، بعضهم احترق داخل الخيام، بعدما التهمت النيران محيط المحطة، وسط عجز الدفاع المدني وانعدام أي تجهيزات للإطفاء أو الإنقاذ.

أما الكارثة الأكبر، فوقعت في مدرسة موسى بن نصير بحي الدرج شرق مدينة غزة، حيث شنت الطائرات الحربية غارتين متتاليتين بطائرتين انتحاريتين على المدرسة التي كانت تؤوي مئات النازحين، فأدى القصف إلى استشهاد 13 شخصًا على الأقل، بينهم أطفال ونساء، وإصابة 10 آخرين بجراح متفاوتة.

شهود عيان وصفوا مشاهدًا مروعة من احتراق الغرف الصفية، وصراخ الأطفال وهم يحترقون دون أي وسائل إطفاء أو تدخل دولي. النيران أكلت أجساد الأبرياء، والدخان غطى المكان، بينما وقف العالم “المتحضر” يراقب بصمت.

وفي مخيم جباليا، وقعت مجزرة أخرى عندما قصفت الطائرات الحربية منزل عائلة المقيد، ما أدى إلى استشهاد 9 أفراد من العائلة دفعة واحدة، مع وجود مفقودين تحت الأنقاض لا تزال طواقم الإسعاف تحاول الوصول إليهم، رغم صعوبة الحركة وشح المعدات.

حكام العرب.. شركاء في الجريمة بالصمت والخيانة

كل هذه الجرائم المتواصلة، لا تجري في فراغ سياسي. فما كان للاحتلال أن يتمادى إلى هذا الحد، ويقصف مراكز إيواء ومدارس ومستشفيات، لولا تواطؤ الحكام العرب، وعلى رأسهم السيسي وبن زايد وبن سلمان وملك الأردن عبد الله الثاني.

عبد الفتاح السيسي، الذي يغلق معبر رفح ويفاوض على أرواح المدنيين كما يتفاوض على صفقات القمح والغاز، لم يفتح الحدود لاستقبال المصابين، ولم يدفع باتجاه وقف القصف، بل استمر في التنسيق الأمني مع الاحتلال عبر قنواته العسكرية، وسمح بإدخال مساعدات “انتقائية” تحت رقابة إسرائيلية، مساهمًا في ترسيخ الحصار.

أما محمد بن زايد، فقد اختار طريق التطبيع الكامل، وتحول إلى شريك فعلي في دعم الكيان الصهيوني، سياسيًا واقتصاديًا، بل إن الإمارات لم تكتفِ بالصمت، بل تستضيف وفود الاحتلال على أراضيها وتفتح خطوط التجارة والسياحة مع دولة الإبادة.

محمد بن سلمان، الذي يتظاهر أحيانًا بأنه يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، يواصل مفاوضاته السرية مع الاحتلال، ويوجه وسائل إعلامه للتشويش على مجازر غزة، بينما يرفض أي تحرك حقيقي داخل مجلس التعاون الخليجي لدعم غزة أو حتى لوقف جرائم الحرب.

وحتى ملك الأردن عبد الله الثاني، الذي لطالما تغنى بدور “الوصاية الهاشمية”، لم يتجاوز حدود التصريحات الدبلوماسية الباهتة، ولم يتحرك لإغلاق سفارة الاحتلال في عمان أو سحب سفيره، في وقت تُرتكب فيه جرائم موثقة ضد الإنسانية.

إن هؤلاء القادة لا يمكن اعتبارهم “صامتين” فقط، بل إنهم، بالصمت والدعم غير المباشر، أصبحوا شركاء في الجريمة، يُؤمّنون الغطاء السياسي والدبلوماسي، ويقايضون دماء الفلسطينيين بمصالح اقتصادية وتحالفات أمنية مع من ينفذ الإبادة.

غزة تُذبح.. والسكوت خيانة

المجازر التي وقعت فجر الثلاثاء ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، ما دام الاحتلال مطمئنًا إلى دعم أمريكي، وصمت عربي، وتواطؤ رسمي بلغ حد “الخذلان التاريخي”. غزة لا تطلب معجزات، بل تطلب أن يتوقف العالم عن تجاهل جريمة إبادة تُبث مباشرة على الهواء.

الأطفال الذين احترقوا داخل صفوفهم الدراسية، والنساء اللواتي مزقتهن الصواريخ في الخيام، والرجال الذين يحملون جثث أحبائهم وسط الركام، لا يحتاجون خطبًا، بل يحتاجون وقفًا حقيقيًا لهذه الحرب.

وفي الوقت الذي يسعى فيه الاحتلال لترسيخ معادلة “الدم مقابل التطبيع”، يبقى السؤال معلقًا: إلى متى يبقى الدم الفلسطيني رخيصًا في عيون الأشقاء قبل الأعداء؟ وهل سيأتي فجر تنكسر فيه طائرات الموت، ويعلو فيه صوت الحياة؟

اقرأ أيضًا : خيانة التنسيق الأمني: السلطة تسلم شابًا فلسطينيًا بصق على ضابطة للاحتلال