بدأت السلطات الأردنية محاكمة المتورطين في التآمر للانقلاب على الحكم في محكمة أمن الدولة بالعاصمة الأردنية عَمّان. المحاكمة غير عادية بالطبع، خاصة وأنها تكشف النقاب عن العلاقات الممزقة التي تعاني منها العائلة المالكة الأردنية، والتوترات التي تشهدها العلاقات مع دول الجوار -الأقوياء-.

لا يزال الغموض يكتنف المكيدة السياسية التي كادت أن تطيح بالملك عبد الله في أبريل/نيسان عندما قامت السلطات الأردنية بمجموعة واسعة من الاعتقالات استهدفت شخصيات ذات نفوذ، بما في ذلك وريث العرش السابق الأمير حمزة بن الحسين وأحد المقربين من ولي عهد المملكة العربية السعودية الحاكم الفعلي محمد بن سلمان.

بالرغم من تردد اسم الأمير حمزة الآونة الأخيرة وراء قيادة هذه المؤامرة، لم توجه إليه أي تهمة رسمية، بينما بدأت محاكمة باسم عوض الله -المقرب من بن سلمان- وشريف حسن بن زيد- وهو رجل أعمال وابن عم الملك عبد الله الثاني ملك الأردن.

المحاكمة لم تكشف فقط وجود توتر في العلاقات بين أفراد العائلة المالكة، لكنها سلطت الضوء على علاقة المملكة الهاشمية بجيرانها، خاصة المملكة العربية السعودية، حيث نشأت التوترات بين الأردن والدول العربية المجاورة جزئيًا بسبب اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج العربية التي تم إبرامها العام الماضي.

عارض الأردن، الذي تسكنه أغلبية فلسطينية، العناصر الرئيسية لاتفاقيات التطبيع التي أبرمها الرئيس السابق دونالد ترامب بين دول الخليج العربية وإسرائيل، حيث يخشى الأردن من أن اتفاقية التطبيع ستقضي على فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة، بحسب ما نصت عليه معاهدة السلام الأردنية مع إسرائيل لعام 1994.

صدمت الاعتقالات الأولية في قضية الفتنة الأردنيين وأثارت مخاوف الحلفاء الغربيين للأردن، التي استطاعت الحفاظ على الاستقرار واستقبال موجات من اللاجئين من النزاعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط بينما ظلت حليفاً مخلصاً للولايات المتحدة في التعاون الاستخباراتي والأمني ​​ومكافحة الإرهاب.

أما الأمير حمزة، فتم وضعه قيد الإقامة الجبرية وتقييد تحركاته واتصالاته ولا يُتوقع تقديمه للمحاكمة – ربما لتجنب إحراج أحد كبار الشخصيات الملكية التي تواجه المحاكمة.

 

ومضت المحاكمة قدما على الرغم من الضغوط المكثفة من المملكة العربية السعودية، الجار الأكثر قوة للأردن، لتعطيل الإجراءات.

أرسل السعوديون أربع طائرات مع أربعة مسؤولين مختلفين للمطالبة بالإفراج عن السيد عوض الله فور اعتقاله في أبريل/نيسان وإرساله معهم إلى السعودية، وفقًا لمسؤول مخابرات غربي كبير سابق طلب عدم الكشف عن هويته.

وقال المسؤول إن هؤلاء المسؤولين ترأسهم وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ومن بينهم مسؤول كبير من مكتب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وانضم إليهم رئيس المخابرات السعودية، الذي مكث في الأردن لمدة خمسة أيام للضغط على النظام الملكي للسماح للسيد عوض الله بالعودة معه.

من جانبهم، أكد مسؤولون سعوديون أن الوفد توجه جواً إلى الأردن، لكنهم قالوا إنه كان للتعبير عن تضامنهم مع الملك عبد الله، ونفوا أنهم كانوا يسعون لإطلاق سراح السيد عوض الله.

أما السيد بروس ريدل- ضابط استخباراتي أمريكي سابق- قال تعليقاً على الزيارة “أعتقد أنهم ضغطوا من أجل إطلاق سراح عوض الله لأنهم علموا أن لديه معلومات تدينهم لذلك سعوا لإخراجه”.

وأضاف السيد/ريدل أن الأردن استطاع مقاومة الضغط السعودي لإعادة السيد عوض الله بعد أن طلب مدير المخابرات المركزية ويليام بيرنز، السفير السابق في الأردن، من البيت الأبيض التدخل.

أما الرئيس بايدن اتصل بالملك عبد الله لإبلاغه بدعمه أثناء وجود رئيس المخابرات السعودية في عمان، ومن المقرر أن يزور الملك عبد الله البيت الأبيض الشهر المقبل.

هذا النوع من الدعم الذي قدمه البيت الأبيض في أبريل/نيسان، في ذروة الفتنة، لم يكن ليحدث في ظل إدارة ترامب، عندما انحدرت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ نقطة لها منذ عقود.

ألقى الأردن في البداية باللوم على تأثيرات جهات خارجية -لم يعلن عن هويتها- عن المؤامرة المزعومة، ومع ذلك، حرصت السلطات الأردنية على عدم استعداء المملكة العربية السعودية، حيث يعمل مئات الآلاف من الأردنيين، والذين إذا تم طردهم، فإن الاقتصاد الأردني سيواجه انهياراً كبيراً.

السيد عوض الله، الذي يحمل الجنسية الأردنية والأمريكية والسعودية، والمستشار الاقتصادي الحالي لولي العهد السعودي، كان في يوم من الأيام أحد المقربين الأكثر ثقة للملك الأردني، حيث شغل منصب وزير المالية في المملكة ثم رئيس الديوان الملكي للملك عبد الله.

وبالرغم من أن المحاكمة مغلقة، فقد تم تسريب مقطع فيديو م نقاعة المحكمة يوم الإثنين أظهر السيد عوض الله في حالة سيئة، حيث بدا أشعثًا يرتدي زي السجن الأزرق الفاتح ويداه مقيدتان خلف ظهره، ويقوده إلى محكمة أفراد من أمن الدولة من خلال باب به أجزاء مفقودة من الإطار الخشبي.

قال مسؤولو المخابرات السابقون إن السيد عوض الله، الذي يوصف بأنه خبير اقتصادي موهوب، لا يمتلك فقط معرفة وثيقة بالسياسة المالية السعودية، ولكنه على دراية عالية بالصفقات الاقتصادية الأردنية أيضاً.

السيد عوض الله متهم بالتآمر مع الأمير حمزة لزعزعة استقرار البلاد، لكن أحد الألغاز العالقة في هذه القضية الغامضة هو ما دفعه إلى القيام بذلك.

وكان الهدف من المؤامرة، بحسب اتهامات النيابة، زعزعة استقرار البلاد و “دعم فكرة أن يصبح الأمير حمزة حاكماً للأردن”. على الرغم من أن وسائل الإعلام الأردنية تحدثت في البداية عن محاولة انقلاب، إلا أن مسؤولي المخابرات يقولون إن المتآمرين المتهمين لم يجندوا مسؤولين عسكريين ولم يحاولوا الإطاحة مباشرة بالملك عبد الله، الذي يحكم منذ عام 1999.

في هذا السياق، قال مسؤولو مخابرات سابقون إن السيد عوض الله كان يتصرف فقط بموافقة كبار القادة السعوديين.

وقال المسؤول الغربي السابق إنه يعتقد أن هدف السعوديين كان تقويض دور الملك عبد الله كلاعب محوري في الشرق الأوسط.

وبحسب لائحة الاتهام التي كشفت عنها وسائل الإعلام الرسمية، فقد شرع الأمير حمزة في حملة لتقويض الملك عبد الله من خلال الاجتماع بشخصيات قبلية ساخطين لتشجيع الاحتجاجات ضد الملك.

الأمير حمزة، 41 عاماً، طيار في سلاح الجو نشأ، كان الوريث السابق للعرش الأردني، لكن في عام 1999، عندما كان الملك [حسين] يحتضر بسبب مرض السرطان، قام بتغيير ولي عهده من شقيقه الأمير حسن إلى ابنه الأكبر، الأمير عبد الله، الذي أصبح ملكًا في وقت لاحق من ذلك العام.

هذه الخطوة كانت إشارة إلى أن الابن الأكبر للأمير عبد الله سيصبح ملكًا في نهاية المطاف بدلاً من الأمير حمزة، وفي عام 2004، جرد الملك عبد الله الأمير حمزة من لقب ولي العهد، ونقله إلى نجله الأكبر.

يقول الكثيرون إن الإطاحة بالأمير حمزة من ولاية العهد سبباً كبيراً في المؤامرة الأخيرة إذ يسعى حمزة لتولي الدور الذي يصر هو ووالدته -الملكة نور- على أنه ولد ليرثه.

“السؤال الآن، هل حقاً هذا هو الأساس؟” بحسب ما قاله السيد ريدل، الذي تابع “من المؤكد أن تحركات حمزة ستنخفض في المستقبل القريب، لكنني لا أعتقد أن طموحاته في استعادة منصبه ستزول”.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا