تقدم فريق محامين دوليين بشكوى رسمية ضد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، متهمين إياه بعدم الالتزام بسياساته الخاصة بشأن احترام حقوق الإنسان، وذلك في سياق منح المملكة العربية السعودية حق استضافة بطولة كأس العالم لعام 2034.

الشكوى، التي جاءت في 30 صفحة، تم تقديمها عبر آلية التظلّم الرسمية للفيفا، وتطالب باتخاذ إجراءات فورية لمعالجة خمس قضايا أساسية تتعلق بحقوق الإنسان داخل السعودية، وهي قضايا حرية التعبير وتكوين الجمعيات، والاعتقالات التعسفية، وسوء المعاملة، وعقوبة الإعدام، وانعدام استقلال القضاء، وحقوق العمالة الوافدة، وحقوق المرأة، ولفت المحامون إلى أن هذه القضايا ليست نظرية أو افتراضية، بل هي واقع موثق وموضع انتقادات مستمرة من منظمات حقوقية دولية.

صاغ الشكوى المحامي مارك بيث، المستشار السابق للفيفا في مجال مكافحة الفساد، والمحامي السويسري ستيفان فيهرنبرغ، والمحامي البريطاني رودني ديكسون، الذين سبق لهم أن قدموا تقريرًا للاتحاد الدولي قبل عام، يحذر من تبعات منح البطولة للسعودية دون ضمانات واضحة لاحترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وأشارت الشكوى إلى أن عملية الترشح والاستضافة التي تمت لم تضمن احترام تلك المعايير، معتبرة أن القرار الصادر عن الفيفا بالموافقة على منح السعودية حق الاستضافة يحمّل الاتحاد، وفقًا لسياسته الخاصة، مسؤولية مباشرة في التأكد من احترام حقوق الإنسان داخل الدولة المستضيفة.

وجاء في نص الشكوى:

قرار الفيفا بالموافقة على استضافة السعودية لكأس العالم يضع الاتحاد، بموجب سياساته المعلنة، تحت التزام قانوني وأخلاقي بضمان أن تكون حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا محترمة داخل البلاد.”

وأضافت الشكوى “حتى الآن، لا يوجد أي دليل على أن الفيفا قد بدأ اتخاذ أي خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، بل لا توجد مؤشرات على وجود نية للقيام بذلك من الأساس… تهدف هذه الشكوى إلى تسليط الضوء على هذا الفشل كي يتم تصحيحه دون تأخير.”

وطالبت الشكوى الفيفا بوضع خطة عمل ملموسة وشفافة بالتعاون مع السلطات السعودية، بدلاً من الاعتماد على وعود الدولة المستضيفة أو تركها تتصرف بشكل أحادي، وشددت على ضرورة أن تتضمن الخطة معايير دنيا واضحة يتم تنفيذها فورًا، إلى جانب إنشاء آليات رقابة قوية لضمان المتابعة المستمرة لمدى الالتزام، وأكد المحامون في شكواهم أنه “حتى اللحظة، لم تقم الفيفا باتخاذ أي خطوة من هذا النوع.”

تأتي هذه الشكوى وسط تصاعد الضغوط على الفيفا هذا الأسبوع بسبب الانتهاكات المستمرة التي تطال العمال المهاجرين في السعودية.،فقد أصدرت كل من منظمة “هيومن رايتس ووتش” ومجموعة “فير سكوير” تقارير جديدة حذرت من المخاطر الجسيمة التي يتعرض لها العمال المشاركون في المشاريع الإنشائية الضخمة التي تنفذها السلطات السعودية في إطار التحضير لاستضافة البطولة، وأشارت هذه التقارير إلى أن العمال لا يزالون يواجهون ظروفًا خطيرة تهدد حياتهم، مع غياب شبه كامل للشفافية حول عدد الوفيات في مواقع العمل.

ورغم هذه التحذيرات، لم تُظهر الفيفا تجاوبًا حقيقيًا مع المخاوف، واقتصرت استجابتها على إرسال رسالة إلى منظمة “هيومن رايتس ووتش”، جاء فيها:

يسعى الاتحاد الدولي لكرة القدم إلى أداء دوره في ضمان حماية قوية للعمال الذين يتم توظيفهم من قبل أطراف ثالثة في مواقع بناء منشآت كأس العالم. ويتحقق هذا الهدف من خلال تعاون وثيق مع السلطات السعودية، وانخراط مع منظمات العمل الدولية ذات الصلة… ونحن مقتنعون بأن الإجراءات المعتمدة حتى الآن يمكن أن تضع معيارًا جديدًا لحماية العمال.”

اللافت أن هذه الشكوى القانونية أشارت بوضوح إلى أن هذه التصريحات ليست كافية، ولا يمكن اعتبارها بديلًا عن خطوات عملية وملموسة على الأرض، لا سيما في ظل سجل المملكة الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان وعدم المحاسبة.

وتأتي هذه التطورات لتضع الفيفا أمام اختبار جديد لمدى جديته في الالتزام بقيمه المعلنة، وتثير تساؤلات جدية حول ما إذا كان الاتحاد سيواصل غض الطرف عن الانتهاكات من أجل عقود استثمارية، أم سيخضع لضغوط المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي ويتخذ خطوات عملية لضمان عدم تحوّل البطولة إلى غطاء لغسل السمعة وتبييض الانتهاكات.