في ظل استمرار الجدل حول تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن فرض سيطرة أمريكية على قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، شهدت الصحافة الإسرائيلية تحوّلًا في نبرة التعامل مع هذه التصريحات. فعلى الرغم من أن اليمين الإسرائيلي المتطرف رحّب بها في البداية، إلا أن العديد من المحللين والخبراء الإسرائيليين بدأوا الآن في التشكيك في واقعيتها وجدواها السياسية، معتبرين أنها مجرد مناورة سياسية فارغة لا يمكن تنفيذها على أرض الواقع.

 

إيساشاروف: تصريحات ترامب “وهم لا يمكن تطبيقه”

أحد أبرز الأصوات المنتقدة لخطة ترامب هو المحلل السياسي الإسرائيلي آفي إيساشاروف، الذي كتب في صحيفة يديعوت أحرونوت مؤكدًا أن رفض الفلسطينيين القاطع لمثل هذه الخطط، إلى جانب سيطرة حماس المستمرة على غزة، يجعل فكرة السيطرة الأمريكية على القطاع غير قابلة للتطبيق نهائيًا.

ويقول إيساشاروف: “لقد أثارت تصريحات ترامب خيال عدد كبير من الإسرائيليين الذين يرغبون في رؤية غزة تختفي وسكانها يُرحّلون. لكن المشكلة الوحيدة أن هذا ليس واقعيًا.”

ويضيف أن فكرة تهجير سكان غزة غير مقبولة عربيًا ودوليًا، وحتى الدول العربية التي تحافظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة، مثل مصر والأردن والسعودية والإمارات، لن تقبل بهذا السيناريو. فحتى مع اعتماد هذه الدول على الدعم الأمريكي، إلا أن الضغوط السياسية الداخلية والمصالح الاستراتيجية تجعلها غير مستعدة لقبول أي موجات لجوء فلسطينية جديدة.

 

إسرائيل لم تستطع تحقيق أهدافها العسكرية

في مقاله، يشير إيساشاروف إلى التناقضات الواضحة في نهج إسرائيل، مشددًا على أن العمليات العسكرية الإسرائيلية لم تنجح حتى الآن في تحقيق الأهداف المعلنة، مثل القضاء على حماس أو فرض سيطرة أمنية على القطاع.

ويحذر المحلل الإسرائيلي من أن استمرار الحرب دون وجود أفق سياسي سيؤدي فقط إلى مزيد من القتلى الإسرائيليين وتفاقم الأزمة دون تحقيق أي إنجازات حقيقية.

“طالما لا يوجد بديل حقيقي لحماس، فإن أي عمليات عسكرية لن تؤدي إلا إلى المزيد من الدمار والقتل، دون تحقيق الهدف المنشود بانهيار الحركة. والنتيجة ستكون جلب الحرب على إسرائيل لشهور إضافية، وربما سنوات.

 

أوري مسغاف: “ترامب يهذي بلا معنى

بدوره، كتب الصحفي والمحلل الإسرائيلي أوري مسغاف في صحيفة هآرتس مقالًا لاذعًا ينتقد فيه التغطية الإعلامية الإسرائيلية لتصريحات ترامب، معتبرًا أن الأمر ليس أكثر من “استعراض سياسي سخيف”.

ويسخر مسغاف من تعاطي الإعلام الإسرائيلي مع المقترح، قائلًا: “من المهين للذكاء أن نأخذ تصريحات ترامب العشوائية على محمل الجد. إنه مختل عقليًا تمامًا، ونحن نعيش في عصر الانحدار المتسارع”.

ويتابع: “المحزن أن نرى قطاعات كبيرة من الإعلام الإسرائيلي تتعامل مع هذه المهزلة بجدية، وكأنها نقاش أكاديمي حول إمكانية بناء مستعمرة على القمر.”

 

“الدول العربية لن تقبل.. وترامب لا يدرك العواقب”

صحف إسرائيلية أخرى مثل تايمز أوف إسرائيل ودولية مثل ووول ستريت جورنال أشارت إلى أن خطة ترامب لن تنجح لأن سكان غزة لن يقبلوا بالرحيل، ولا توجد أي دولة مستعدة لاستقبالهم، كما أن الولايات المتحدة لن تتدخل عسكريًا لإجبارهم على مغادرة القطاع.

بل إن بعض التقارير حذّرت من أن فرض التهجير القسري قد يؤدي إلى كارثة سياسية وأمنية في الشرق الأوسط، وخاصة في الأردن ومصر، حيث يمكن أن تؤدي أي ضغوط أمريكية على هذه الدول إلى تداعيات خطيرة على استقرارها الداخلي.

في النهاية، يبدو أن أغلب الخبراء والمحللين داخل إسرائيل نفسها لا يأخذون تصريحات ترامب بجدية، حيث يعتبرونها مجرد مناورة سياسية تهدف إلى كسب تأييد اللوبي الصهيوني في أمريكا، دون أن يكون هناك أي خطة حقيقية لتنفيذها.

لكن في المقابل، فإن استمرار الحديث عن “تهجير الفلسطينيين” بهذا الشكل المتكرر، حتى لو كان على سبيل الجدل الإعلامي، يُعيد إلى الأذهان مخاوف حقيقية من إمكانية محاولة فرض واقع جديد في غزة على المدى البعيد، خاصة في ظل غياب موقف عربي حازم وصريح يوقف هذه المهزلة عند حدها.