ترجمة عن مقال الصحفي والأكاديمي بجامعة نيو يورك محمد بازي

على الرغم من مرور نحو عام على قيام مسؤولون سعوديون باغتيال الصحفي جمال خاشقجي، لا زالت إدارة ترامب حريصة على تحسين سمعة ولي عهد المملكة محمد بن سلمان.

الأسبوع الجاري سيشهد عقد مؤتمر “دافوس الصحراء” وهو مؤتمر استثماري اقتصادي سيقام في العاصمة السعودية بهدف تلميع صورة الأمير الذي يصف نفسه بالمصلح، وسيتم ذلك بحضور ستيفن منوشن- وزير الخزانة الأمريكي، وجاريد كوشنر -صهر الرئيس وكبير مستشاريه.

من المخطط له أن يحضر “دافوس الصحراء” عشرات المديرين التنفيذيين لكبار الشركات في أمريكا والغرب، خاصة الذين لم يتسن لهم الحضور العام الماضي، حيث أُقيم المؤتمر السابق بعد أسابيع قليلة من اغتيال جمال خاشقجي- الكاتب الصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وهي الجريمة التي خلصت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى أن محمد بن سلمان هو من أمر بتنفيذها.

اليوم، وبالموافقة على حضور ذلك المؤتمر، تُرسل إدارة ترامب وكبار المديرين التنفيذيين في “وول الستريت” رسالة واضحة، هي أن: المملكة العربية السعودية تعتبر سوق مفتوح للأعمال التجارية، والشركات الأمريكية لا تريد تفويت مليارات الدولارات التي ستعود عليهم من استثمارات القادة السعوديين.

هؤلاء القادة بطبيعة الحال يأملون أن يكون العالم قد نسي مقتل خاشقجي، وأن يتلاشى الغضب الدولي الذي تبع تلك الجريمة البشعة التي تُضاف لسجل المملكة الغير مشرف فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

من المقرر أن يشارك “منوشن” و”كوشنر” في حلقات نقاش خلال المؤتمر الذي يستمر لثلاثة أيام، من 29 وحتى 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كما سيحضر الاجتماعات أيضاً كبار المسؤولين التنفيذيين من شركات JPMorgan Chase و Citigroup و Goldman Sachs و BlackRock و Blackstone وغيرها من الشركات المالية الكبرى، التي يأمل بن سلمان ومستشاروه بجذبهم عن طريق احتمالية طرح اكتتاب لبيع أسهم من شركة أرامكو السعودية، في أكبر عملية اكتتاب في العالم من نوعها، وهي العملية التي سيجني من ورائها المستثمرون الغربيون ثروات هائلة حيث سيمتلكون بذلك جزء من النفط السعودي.

بعد مقتل خاشقجي، لم تتوقف الشركات الأمريكية والأوروبية عن التعامل مع المملكة العربية السعودية، كما أن ترامب وأعضاء إدارته- خاصة كوشنر، الذي أصبح صديقاً لابن سلمان بعد فترة وجيزة من تولي ترامب منصبه- لم يترددا أبدًا في دعمهما للنظام السعودي.

كان الدعم الذي قدمه ترامب لابن سلمان بمثابة الضوء الأخضر لقادة العالم الآخرين وكبار المسؤولين في قطاع الأعمال لمواصلة التعامل مع المملكة، حتى وإن كان على استحياء بسبب الظروف الأخيرة، ليحضر منوشن القمة العام الجاري على الرغم من انسحابه من قمة العام الماضي.

في ربيع 2018، قام بن سلمان بزيارة الولايات المتحدة، في جولة استمرت لثلاثة أسابيع لا زالت آثارها موجودة حتى الآن، حيث عومل معاملة نجوم الروك، والتقى بعمالقة “وول ستريت” ووادي السيليكون وهوليود، وتم الاحتفاء به والتعامل معه باعتباره المصلح المجدد الذي سينقل المملكة العربية السعودية إلى مستقبل أفضل.

سجل ابن سلمان فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الانسان كان دائماً واضحاً، فمنذ صعود والده إلى عرش المملكة كملك في 2015، وانتهاكاته في ازدياد مستمر، بدءً من محاولاته التخلص من المنافسين داخل البلاط الملكي، وتشديد قبضته على المؤسسة الأمنية، وقمع المعارضة الداخلية بشتى الطرق، بالإضافة إلى الحرب الكارثية التي شنها في اليمن ضد الحوثيين، وعلى الرغم من ذلك كله استمر السياسيون والمسؤولون التنفيذيون في الغرب في مدح الأمير الصغير؛ طمعاً في مزيد من الاستثمارات مع صندوق الثروة السيادية للمملكة الذي تبلغ قيمته 320 مليار دولار، والذي يسيطر عليه بن سلمان نفسه.

منذ توليه السلطة، قاد ابن سلمان سلسلة من السياسات المدمرة التي زعزعت استقرار الشرق الأوسط بأكمله، حيث أسفرت الحرب التي قادتها السعودية في اليمن عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وتسببت في حدوث أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ كما ساهمت في تورط الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في جرائم حرب محتملة.

كذلك فرضت المملكة حصاراً على جارتها الأصغر، قطر؛ فضلاً عن أوامر الأمير باعتقال مئات النشطاء والمعارضين السياسيين، والذين مورست ضدهم انتهاكات بشعة إلا أن العالم لم يهتم بهم بالقدر الذي كان من نصيب جريمة اغتيال خاشقجي.

وعلى الرغم من السجل المؤسف للأمير الشاب، ما زال المسؤولون التنفيذيون الأمريكيون يقرون تعاملاتهم مع المملكة العربية السعودية كمحاولة لتعزيز الإصلاح، على سبيل المثال انسحب لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة BlackRock ، من مؤتمر العام الماضي بعد مقتل خاشقجي؛ لكنه حضر مؤتمراً آخر في المملكة في أبريل/نيسان الماضي، وافتتحت شركته مؤخرًا مكتباً هناك؛ كما يعتزم حضور قمة هذا الأسبوع.

تعليقاً على ذلك كتب “فينك” على  LinkedIn في أبريل/نيسان إن “قتل جمال خاشقجي كان مروعاً”، ومع ذلك فإن مشاركة الشركات المختلفة في مؤتمرات السعودية والحوار بصفة عامة “يمكن أن يساعد المملكة في خطواتها نحو الإصلاح”، وأضاف “كما قلت مرارًا وتكرارًا للقادة السعوديين، لكي تكون المملكة العربية السعودية على المسرح العالمي، يجب أن تتصرف كزعيم عالمي”.

إنه من السذاجة أو ربما من النفاق أن يعتقد كبار رجال الأعمال الغربيين بأن وجود الشركات الأجنبية سيغير نظام بن سلمان، خاصة بعد أن أكد الأمير ومستشاروه أنه يمكنهم تخطي الإدانة الدولية طالما لديهم نفوذ “مالي” على من يتعاملون مع المملكة العربية السعودية.

من ناحية ترامب، فالأكيد أنه لم يبد أي انزعاج حول خطوات بن سلمان المزعومة نحو الإصلاح ولم يبد أي تمسك بسيادة القانون، وكان قد سُئل في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي عما إذا كان سيلغي صفقات الأسلحة للسعودية المقدرة بمليارات الدولارات في حال ثبوت تورط قادتها في عملية اغتيال خاشقجي، أجاب “لا يروقني ذلك قليلاً، ومع هذا، سواء منعنا ما قيمته 110 مليار دولار من المبيعات لتلك البلد أم لا…. لن يكون هذا مقبولاً بالنسبة لي”.

إجابات وتصريحات ترامب، ودعمه المستمر لابن سلمان، قضى على أي شك بأن تكون العلاقات الأمريكية-السعودية مبنية على شيء سوى الحفاظ على صفقات الأسلحة وأسعار النفط المستقرة، وكذلك المصالح الأمنية الإقليمية المشتركة، فلسان حال ترامب يقول: لماذا أقيم عداوة مع ولي العهد “المتهور” وأفقد أكبر مشتر للأسلحة من أمريكا؟”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا