كشف كتاب “المملكة غير المقدسة” للكاتب البريطاني ماليس روثفين عن صورة قاتمة لنظام الحكم السعودي تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان، حيث وصفه بأنه نظام استبدادي يعتمد على القوة المطلقة والترويج لإصلاحات شكلية بهدف تعزيز قبضته على السلطة. هذا الكتاب، الذي يأتي في ظل اهتمام متزايد بالتحولات التي تشهدها المملكة، يتناول بشكل نقدي شخصية محمد بن سلمان، نهجه في الحكم، ومدى واقعية الإصلاحات التي يروج لها في الداخل والخارج.

وفقًا لما نشرته صحيفة الغارديان، فإن النظام السعودي يعيش حالة من “الازدواجية” بين التحديث المزعوم والقمع الممنهج، وهو ما يتماشى مع ما طرحه روثفين في كتابه. فبينما يحاول محمد بن سلمان تقديم صورة “الإصلاحي الحداثي”، إلا أن ممارساته القمعية، وخاصة حادثة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، تكشف عن الوجه الحقيقي لنظامه.

حكم فردي وإدارة غير منتظمة

يشير الكتاب إلى أن محمد بن سلمان يدير المملكة بأسلوب فردي استبدادي يشبه سلوك “مافيا سياسية”، حيث تمكن من إقصاء منافسيه داخل العائلة المالكة، على غرار ما فعلت عائلات الجريمة المنظمة في أفلام هوليوود.

كما يُعرف عنه عدم التزامه بمواعيد ثابتة، حيث ينام في أوقات متقطعة، مما يترك حاشيته والمسؤولين الدوليين في انتظار طويل، كما حدث مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي انتظر لساعات قبل أن يلتقيه في اليوم التالي.

هذه الإدارة غير المنتظمة تمتد إلى السياسة الداخلية، حيث يتعامل النظام السعودي مع أي شكل من أشكال المعارضة بالقمع الصارم. 

تشير صحيفة الغارديان إلى أن العديد من رجال الدين والناشطين الذين تجرأوا على انتقاد سياساته يقبعون الآن في السجون، وهو ما يعكس ازدواجية النظام الذي يدّعي الإصلاح والانفتاح، لكنه في الواقع يرسّخ الحكم المطلق.

إصلاحات اقتصادية شكلية وقمع سياسي صارم

يرى الكاتب أن رؤية “السعودية 2030” التي يقودها محمد بن سلمان تهدف إلى تقليل اعتماد المملكة على النفط من خلال الاستثمار في قطاعات جديدة مثل السياحة والطاقة المتجددة والتكنولوجيا، إلا أن هذه الإصلاحات اقتصرت على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فقط، دون أي تحرك نحو إصلاح سياسي حقيقي.

وفقًا لتقرير نشرته الغارديان، فإن الشباب السعودي ينظر إلى هذه الإصلاحات الاقتصادية بترقب، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر. ومع ذلك، فإن غياب الحريات السياسية، واستمرار سجن المعارضين، وحظر الأحزاب السياسية يجعل هذه التغييرات “تجميلية” أكثر منها جوهرية. فالإصلاح الحقيقي، كما يرى روثفين، لا يمكن أن يتحقق دون مشاركة سياسية حقيقية، وهو ما يرفضه النظام الحالي بشدة.

تحالفات إقليمية مثيرة للجدل وتقارب مع الاحتلال

يتناول الكتاب أيضًا السياسة الخارجية السعودية، مشيرًا إلى أن محمد بن سلمان يسعى لإعادة ترتيب الشرق الأوسط وفقًا لمصالحه الخاصة، حيث تقارب بشكل متزايد مع الصين، وخاض حربًا دموية في اليمن، وكان على وشك تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل أن تتعطل الخطط بسبب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة.

بحسب الغارديان، فإن التعاون بين السعودية وإسرائيل كان يسير بوتيرة متسارعة قبل معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر التي نفذتها حركة المقاومة حماس، وهو ما ألقى بظلاله على الخطط السعودية، خاصة أن الرأي العام العربي لا يزال يعارض التطبيع. لكن مع استمرار الدعم الأمريكي، لا سيما من الرئيس السابق دونالد ترامب، قد تعود هذه الخطط إلى الواجهة في المستقبل القريب.

الغسيل الرياضي

يشير روثفين في كتابه إلى أن السعودية تسعى لاستخدام الرياضة كأداة “للغسيل الرياضي” بهدف تحسين صورتها عالميًا، وهو ما أكدته الغارديان في تقرير لها حول استثمارات السعودية في مجال الرياضة. فقد ضخت المملكة مليارات الدولارات في أندية كرة القدم الأوروبية، واستحوذت فعليًا على بطولة PGA للجولف، إضافة إلى استضافة كأس العالم 2034.

هذه الاستثمارات، وفقًا للكتاب، لا تهدف فقط إلى تعزيز مكانة السعودية على الساحة الدولية، بل أيضًا إلى خلق هوية وطنية جديدة تستخدم الرياضة كوسيلة لجذب الشباب بعيدًا عن الانتماءات الدينية والسياسية.

الخلاصة تكشف التحليلات التي قدمها روثفين، مدعومة بالتقارير الصحفية مثل تلك التي نشرتها الغارديان، أن محمد بن سلمان يسير على نهج استبدادي يعتمد على الحداثة الاقتصادية والاجتماعية كوسيلة لتعزيز سلطته، دون تقديم أي تنازلات على الصعيد السياسي.

قد تنجح المملكة في استقطاب الاستثمارات، وتنظيم البطولات الرياضية العالمية، وحتى الترويج لصورة أكثر انفتاحًا، لكن يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لهذه الإصلاحات أن تخفي الوجه الحقيقي لنظام حكم فردي لا يزال يعتمد على القمع والإقصاء؟