في ظل مفاوضات وقف إطلاق النار بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، تتزايد التكهنات حول إمكانية الإفراج عن القيادي الفلسطيني البارز مروان البرغوثي، الذي يُنظر إليه كأحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في الساحة الفلسطينية، والمرشح الأبرز لخلافة محمود عباس (أبو مازن).
ورغم أن إطلاق سراح الأسرى يُعد مطلبًا فلسطينيًا ملحًا، إلا أن السلطة الفلسطينية تبدو غير مرتاحة لاحتمال خروج البرغوثي من السجن، حيث يشكل ذلك تحديًا مباشرًا لقيادة أبو مازن التي تواجه تآكلًا متزايدًا في شرعيتها.
السلطة الفلسطينية بين التماهي مع الاحتلال والخوف من البرغوثي
لم يكن موقف السلطة الفلسطينية من ملف الأسرى دائمًا منسجمًا مع نبض الشارع، بل على العكس، فقد أظهرت في مناسبات عديدة تماهيًا واضحًا مع الموقف الإسرائيلي، لا سيما فيما يتعلق بالإفراج عن شخصيات تشكل تهديدًا مباشرًا لنفوذ قيادة رام الله.
مروان البرغوثي، رغم كونه قياديًا في حركة فتح، يتمتع بشعبية كبيرة داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، وحتى داخل سجون الاحتلال، حيث ينظر إليه كبديل حقيقي لأبو مازن، وقائد قادر على إعادة فتح إلى مسارها النضالي.
في المقابل، تعتبر إسرائيل وأبو مازن الإفراج عنه خطرًا مزدوجًا، إذ قد يؤدي إلى إعادة ترتيب الأوراق السياسية داخل فتح، مما قد يهمش عباس ويفتح المجال أمام مطالب شعبية بتغيير القيادة الحالية.
وفقًا لتقارير إعلامية، مارست السلطة الفلسطينية ضغوطًا غير معلنة عبر قنواتها في الإمارات لمنع إدراج اسم البرغوثي في صفقة التبادل، في محاولة واضحة للحفاظ على هيمنة عباس وقيادته على المشهد السياسي. وبدلًا من أن تبذل جهودًا للإفراج عنه، تحركت بشكل سري لضمان بقائه في السجن، خوفًا من أن يشكل خروجه زلزالًا سياسيًا داخل حركة فتح، وتهديدًا مباشرًا لسلطة رام الله.
البرغوثي.. كابوس يؤرق السلطة وإسرائيل معًا
لا يمكن فصل التخوف الإسرائيلي من الإفراج عن البرغوثي عن الموقف الفلسطيني الرسمي. إسرائيل تدرك جيدًا أن خروجه يعني عودة مشروع المقاومة إلى الواجهة داخل فتح، بدلًا من مشروع التنسيق الأمني والتفاهمات مع الاحتلال الذي يقوده عباس.
البرغوثي يُعتبر رمزًا للنضال المسلح، وعلى عكس أبو مازن، فإن لديه تاريخًا من المواجهة مع الاحتلال، مما يجعله مرشحًا قويًا لقيادة تيار فلسطيني يرفض التنسيق الأمني والسياسات التي انتهجتها السلطة بعد أوسلو.
في حال تم إطلاق سراحه، فإن مستقبل فتح كحركة مقاومة سيكون مطروحًا بقوة، مما يضع عباس وقيادته في موقف حرج أمام الشارع الفلسطيني.
ويدرك عباس أن الإفراج عنه سيعيد ترتيب المشهد الفلسطيني، ويشعل مطالبات بتغيير القيادة، مما يهدد هيمنته على فتح.
عباس، الذي يماهي سياساته تمامًا مع المصالح الإسرائيلية والأمريكية، يدرك أن وجود البرغوثي خارج السجن قد يقود إلى إنهاء مرحلة هيمنته على السلطة، ويفتح الباب أمام صراع داخلي يضعف نفوذه.
ماذا بعد؟
مع استمرار المفاوضات حول المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، يبقى السؤال الكبير: هل ستنجح الضغوط الخفية للسلطة في منع إطلاق سراح البرغوثي، أم أن الضغوط الشعبية والفصائلية ستفرض خروجه؟
في جميع الأحوال، فإن مجرد الحديث عن الإفراج عنه يعكس قلقًا متزايدًا داخل القيادة الفلسطينية والإسرائيلية على السواء، لأنه يشكل تهديدًا أمنيًا للمشروع الإسرائيلي في الضفة، ولأنه يشكل تهديدًا سياسيًا مباشرًا لعباس، الذي بات يرى في التنسيق الأمني مع الاحتلال صمام الأمان الوحيد لبقائه في السلطة.
اضف تعليقا