في ظل استمرار المجازر الإسرائيلية والمجاعة المفروضة على أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، أعلن التحالف العالمي لمناهضة احتلال فلسطين عن تنظيم مسيرة تضامنية ضخمة، تنطلق منتصف يونيو المقبل من مدينة العريش المصرية نحو معبر رفح الحدودي، للمطالبة بكسر الحصار وفتح المعبر بشكل دائم أمام المساعدات الإنسانية والإغاثية.

المبادرة التي يتزعمها نشطاء وحقوقيون من مختلف أنحاء العالم، تأتي كرد مباشر على الصمت الدولي والتواطؤ الإقليمي، لا سيما من نظام عبد الفتاح السيسي، المتهم بالمشاركة الفعلية في خنق غزة عبر إغلاقه لمعبر رفح، وتنفيذه سياسات أمنية صارمة تمنع إدخال المساعدات والجرحى.

العالم يتحرك… ونظام السيسي يتمادى في الحصار

تاريخ 15 يونيو سيكون موعدًا لانطلاق المسيرة السلمية الكبرى التي دعا إليها التحالف العالمي، على أمل أن تشكل ضغطًا شعبيًا وأخلاقيًا على النظام المصري، وتحديدًا على الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي لا يخفي تقاربه العميق مع الاحتلال الإسرائيلي، وتماهيه مع استراتيجياته الأمنية الرامية إلى تركيع غزة.

المسيرة تأتي بعد سلسلة من الفضائح التي كشفت عن دور النظام المصري في تشديد الخناق على القطاع، من بينها منع قوافل المساعدات من العبور، وتأخير خروج الجرحى، وإغلاق المعبر في وجه الحالات الحرجة، رغم أن معبر رفح يمثل المنفذ الوحيد غير الخاضع لسيطرة الاحتلال.

وتشير تقارير موثقة إلى أن النظام المصري يقوم بالتضييق على المتضامنين، ويضع عراقيل لوجستية وأمنية أمام محاولات دعم القطاع، ما يجعله شريكًا أساسيًا في الجريمة المستمرة ضد الإنسانية، المتمثلة في حصار غزة المستمر منذ عام 2007.

الهجوم على أسطول الحرية.. محاولة إسرائيلية لترهيب المتضامنين

المسيرة القادمة تأتي في أعقاب حادثة خطيرة شهدها أسطول الحرية الذي كان متجهًا مطلع الشهر الجاري إلى غزة عبر البحر الأبيض المتوسط، محمّلًا بالمساعدات الإنسانية، حيث تعرضت إحدى سفنه لهجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية في المياه الدولية قبالة سواحل مالطا.

السفينة المستهدفة، والتي كانت ترفع علم دولة بالاو وتحمل اسم “كونشينس”، كانت تقل نحو 30 متضامنًا دوليًا، من بينهم نشطاء سلام وأطباء وصحفيون، وقد تعرضت للاستهداف مرتين، ما تسبب بثقب كبير في هيكلها، وتعطيل مولداتها، واندلاع حريق ضخم هدد حياة ركابها.

المتحدثة باسم التحالف الدولي، ياسمين أكار، أكدت أن السفينة أطلقت نداء استغاثة عاجلة إلى عدد من الدول المجاورة، لكن الاستجابة تأخرت، في مشهد يعكس مدى التواطؤ الدولي مع جرائم الاحتلال، وسعيه إلى عزل غزة ليس فقط جغرافيًا بل إنسانيًا وأخلاقيًا.

رغم خطورة الحادث، إلا أن حكومة مالطا اكتفت ببيان مقتضب أكدت فيه عدم وقوع إصابات، دون أن تجرؤ على إدانة الهجوم الإسرائيلي الذي تم في نطاق مياهها الإقليمية، ما يعكس حالة الضعف الأوروبي والتواطؤ مع جرائم الحرب المستمرة في غزة.

بين خنوع الأنظمة وصوت الشعوب.. من يفك الحصار؟

في الوقت الذي تتصاعد فيه جرائم الاحتلال بحق المدنيين في غزة، من مجازر وتجويع وإبادة ممنهجة، تقف الأنظمة العربية، وعلى رأسها النظام المصري، موقف المتفرج أو الشريك في الجريمة.

فعبد الفتاح السيسي، الذي أغلق الأنفاق وجرّف مناطق رفح المصرية بحجة الأمن، بات اليوم عرابًا لحصار غزة، ينسّق علنًا مع الاحتلال، ويتلقى الإشادات من واشنطن وتل أبيب، مقابل دوره في “منع تسرب السلاح” و”ضبط الحدود”.

ومع تصاعد الأصوات الدولية المطالبة برفع الحصار ووقف المجازر، يكشف تنظيم المسيرة المقبلة من العريش إلى رفح، عن وجود إرادة شعبية تتخطى الحدود والحكومات، وتؤكد أن الشعوب الحرة لا يمكن أن تقف صامتة أمام الجوع والقصف والمجازر.

لكن المعضلة لا تزال قائمة: هل يسمح نظام السيسي بمرور المسيرة؟ هل ستُقمع كما قُمعت سابقًا قوافل الإغاثة؟ وهل ستُمنع الكاميرات والمراسلون من توثيق حجم الجريمة عند بوابة رفح؟

نحو كسر الحصار شعبياً وفضح خيانة السيسي رسمياً

ما يجري في غزة ليس صراعًا عسكريًا فحسب، بل هو معركة بين إنسانية الشعوب ووحشية الاحتلال، بين التضامن العالمي وخيانة الأنظمة الرسمية. وتحالف السيسي مع الاحتلال في خنق القطاع، لم يعد خافيًا، بل بات موثقًا بالصوت والصورة، ومعززًا بإجراءات ميدانية تُطبق يوميًا على معبر رفح.

المسيرة العالمية المقرر انطلاقها في يونيو تمثل اختبارًا حقيقيًا للضمير العالمي، وفرصة لكشف المتواطئين، وإحراج المتخاذلين، وتحريك المياه الراكدة أمام المعبر المغلق، الذي بات رمزًا مزدوجًا للاحتلال الخارجي والتواطؤ الداخلي.

ففي الوقت الذي تصرّ فيه إسرائيل على تجويع غزة، يجد الغزيون أنفسهم محاصرين بين عدو يقصف، و”شقيق” يمنع، ونظام لا يرى في فلسطين سوى ورقة للمساومة السياسية والابتزاز الإقليمي. لكن الشعوب، حين تنهض، تصنع الفارق، وتكتب التاريخ من جديد.

اقرأ أيضًا : أوضاع مأساوية غير مسبوقة.. هكذا يعيش النازحون في قطاع غزة