في مشهد يعكس أعمق مآسي الصراع السوداني، تتعرض مدينة الفاشر، كبرى مدن ولاية شمال دارفور، لهجوم وحصار خانق من قوات الدعم السريع، ما أدى إلى نزوح جماعي واسع النطاق.

صباح الخميس، أفادت مصادر طبية بمقتل 11 مدنياً وإصابة 35 آخرين نتيجة قصف عنيف استهدف مخيم “أبو شوك” وأحياء متفرقة من المدينة. ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، فإن الوضع في الفاشر وطويلة ومناطق أخرى من دارفور “مروّع”، حيث يفترش عشرات الآلاف الأرض بعد فرارهم من منازلهم ومخيماتهم تحت القصف، وتفاقمت الاحتياجات الإنسانية بصورة مقلقة.

تحدثت تقارير ميدانية عن استيلاء قوات الدعم السريع على مخيم “زمزم”، أحد أبرز مراكز النزوح في المنطقة، مما أجبر آلاف المدنيين، بينهم نساء وأطفال، على الهروب من جديد بعد أن كانوا قد لجأوا إليه منذ بدايات الحرب في دارفور عام 2003.

وتشير بيانات الشركاء الإنسانيين التابعين للأمم المتحدة إلى فرار مئات الآلاف من سكان المخيم إلى مناطق جديدة، وسط ضغط هائل على الموارد في المجتمعات المضيفة، التي تعاني أصلاً من ضعف البنية التحتية الصحية والغذائية.

في ذات السياق، حذّر المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، من أن تدفق النازحين “يثقل كاهل القدرة على الاستجابة”، مشيراً إلى مبادرة لتسيير قافلة مساعدات عبر الحدود من تشاد لتصل إلى 40 ألف شخص. كما أطلقت منظمات محلية مشروعًا لتوفير المياه عبر الشاحنات لنحو عشرة آلاف شخص يومياً.

مبادرة أممية دبلوماسية وسط أزمة تتفاقم

في خضم هذه الكارثة، وصل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، رمطان لعمامرة، إلى مدينة بورتسودان، في محاولة لإحياء الجهود السياسية لإنهاء النزاع. 

والتقى لعمامرة بالجنرال عبد الفتاح البرهان، حاملاً رسالة من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تناولت رؤية المنظمة الدولية لحل النزاع، وتأكيدها على ضرورة التوصل إلى اتفاق سياسي شامل.

وبحسب البيان الصادر عن مجلس السيادة الانتقالي، فإن الرسالة تضمنت تأكيداً على دعم الأمم المتحدة لجهود السلام، ودعوة لوقف فوري للأعمال العدائية، مع التشديد على حماية المدنيين وتيسير وصول المساعدات الإنسانية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية، إدريس إسماعيل، إن الخرطوم “ترحب بدور الأمم المتحدة”، وتدعم مبادرة لعمامرة لاستئناف المسار السياسي.

لكن هذه التحركات الدبلوماسية تظل غير قادرة على كبح تصعيد الدعم السريع، الذي لا يزال يحظى بدعم إقليمي واضح، خصوصاً من دولة الإمارات، التي تشير تقارير موثوقة إلى ضلوعها المباشر في تأجيج الصراع.

دور الإمارات: دعم سري، تسليح علني، وتمويل للإبادة

رغم دعواتها العلنية للسلام، تؤكد تقارير استخباراتية وإعلامية، بينها تحقيقات صحفية دولية، أن النظام الإماراتي يمارس دوراً مفصلياً في تغذية أتون الحرب السودانية.

فالميليشيات التابعة لقوات الدعم السريع، والمتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة ترقى إلى جرائم إبادة جماعية في دارفور، تتلقى دعماً مالياً ولوجستياً من أبوظبي.

وكشفت وثائق مسرّبة ومقابلات مع مسؤولين أمميين وسودانيين سابقين أن الدعم السريع حصل على طائرات مسيّرة، وشحنات سلاح متطورة، وعتاد عسكري إماراتي، تم نقله عبر مطارات في غرب السودان ومنها إلى خطوط الاشتباك. كما أن تسريبات استخباراتية تحدثت عن وجود خبراء عسكريين إماراتيين ضمن غرف العمليات الميدانية للدعم السريع في دارفور، بما في ذلك خلال الحملة الأخيرة على الفاشر.

ويرى مراقبون أن الدعم الإماراتي لا يهدف فقط إلى تقوية حليفها حميدتي، بل يدخل ضمن مشروع إقليمي لتوسيع النفوذ الجيوسياسي في منطقة الساحل والقرن الأفريقي. فبعد دورها المشبوه في ليبيا واليمن، تأتي دارفور كحلقة جديدة في مشروع الإمارات “الاستثماري-العسكري” الذي لا يأبه بالنتائج الإنسانية الكارثية.

نحو ماذا يسير السودان؟

مع تصاعد النزوح، واستمرار جرائم القصف والحصار، وتراجع قدرة المنظمات على التدخل، يُطرح السؤال الكبير: هل بات السودان ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية على حساب دماء الأبرياء؟ في ظل عجز دولي عن وقف تدفق السلاح، وصمت عربي مخزٍ عن تورط الإمارات، تتفاقم المعاناة ويتزايد عدد القتلى والنازحين، فيما يترنح الوطن على حافة الانهيار.

وفي الوقت الذي يتسلم فيه البرهان رسالة أممية تدعو للحوار، تتساقط القذائف على رؤوس النازحين في الفاشر، وتُجهّز شحنات جديدة من الدعم العسكري في أبوظبي. وبين الوعود الدبلوماسية ومآسي الميدان، يظل المواطن السوداني هو الضحية الأولى والأخيرة.

اقرأ أيضًا : دموع إماراتية على الهولوكوست.. وصمت مطبق على غزة!