قبل 150 عاماً تم افتتاح قناة السويس للملاحة الدولية، وبعد مرور تلك السنوات الطويلة تقف القناة على أعتاب أزمة مالية لم تكن في الحسبان؛ فلم تعد قادرة على تسديد الديون التي اقترضتها لإنشاء تفريعتها الجديدة التي بدأ الإعلان عنها في 2015 وافتتحت بعد ذلك بعام واحد.

وبعد أن كان من المتوقع أن تصبح التفريعة الجديدة رافداً لإمداد مصر بـ 100 مليار دولار سنوياً؛ وفقاً لتصريحات المسؤولين؛ أصبحت عبئاً على الدولة بعد تكاليف إنشاء وصلت إلى 4 مليارات دولار، جانب منها قروض خارجية والباقي شهادات استثمار لمصلحة مصريين بفائدة 15%، في مقابل انخفاض عوائد القناة أحياناً وارتفاعها بنسبة طفيفة أحياناً أخرى.

لكنها محبطة في كل الأحوال؛ حيث لا تنمي الدخل القومي المصري بالشكل الذي تم الإعلان عنه، أو تتمكن من تسديد ديونها على الأقل؛ ما دعا هيئة القناة للاستعانة بوزارة المالية لتحمل عدد من الأقساط التي عجزت عن توفيرها في السنوات الماضية.

مشهد مختلف

المشهد اليوم مختلف تماماً عن تلك اللقطة الكرنفالية شديدة التفاؤل، التي وقف فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على متن اليخت الملكي “المحروسة” ليدشن، محاطاً بالموسيقى العسكرية وطائرات الرافال وعدد من قادة العالم، القناة الجديدة، كما أنها بعيدة عن تصريحات رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش، بأن دخل القناة سوف يرتفع من 5.3 مليارات دولار في 2015 إلى 13.2 ملياراً في 2023.

إذ تغيّر الوضع تماماً منذ محاولة تبرير السرعة في إنشاء القناة الجديدة بأن الهدف لم يكن اقتصادياً، بل لرفع الروح المعنوية للمصريين وإقناعهم بقدرتهم على العمل، وفقاً لتصريحات السيسي لأحد الإعلاميين المصريين.

وبعد الكشف عن تأخر هيئة قناة السويس عن سداد ثلاثة أقساط من الديون بقيمة 450 مليون دولار كانت مستحقة في ديسمبر 2017، ويونيو 2018، وديسمبر 2018، وافقت المصارف الدائنة على ترحيل مواعيد استحقاقها لمدة عامين بعد عقد اتفاق مع وزارة المالية.

ووسط الاحتفاء الرسمي بالقناة الجديدة، التي يبلغ طولها 72 كم، لم يكن هناك مجال للاستماع إلى آراء حذرت من حجم الخسائر التي قد تنتج عن سوء تقدير الحكومة المصرية للأرباح المتوقعة من القناة الجديدة، والمبنية على أمل تضاعف حجم حركة العبور في قناة السويس، وهو الأمل الذي لم يتحقق بسبب تراجع حجم التجارة العالمية والأوروبية منذ عام 2005.

وعود لم تتحقق

أما الأزمة الثانية فهي عدم تمكن القناة من تحقيق الوعود الطموحة التي قطعها مسؤولون للشعب المصري، التي بشرتهم بأن افتتاح “القناة الجديدة” هو القاطرة الرئيسة لتنمية مصر، وأن 100 مليار دولار ستدخل الخزينة المصرية سنوياً بعد افتتاح القناة الجديدة، وأن 4 مليارات دولار تم إنفاقها على توسعة القناة مبلغ لا يقارن على الإطلاق بالمليارات التي ستنهال على مصر، عقب شهر واحد من الافتتاح المهيب الذي حضره العديد من قيادات العالم.

تنفيذ مشروع القناة الجديدة استغرق عاماً كاملاً، أما اكتشاف عدم جدواه الاقتصادية فلم يحتاج لأكثر من شهور؛ حيث تراجعت إيرادات القناة من 5.17 مليارات في عام 2015، إلى 5 مليارات فقط في عام افتتاح التفريعة 2016، ثم ارتفع بشكل طفيف في 2018 إلى 5.7 مليارات دولار بسبب ارتفاع أسعار النفط وعودة السفن العملاقة للمرور في القناة بدلاً من رأس الرجاء الصالح، لكن تلك الزيادة بعيدة جداً عن حدود 100 مليار.

وفيما يتعلق بعدد السفن التي تمر من القناة يومياً فقد كان قبل افتتاح التفريعة 54 سفينة، وبعدها لم يرتفع عن ذلك، بل انخفض في بعض الأيام، عدا اليومين اللذين أعقبا الافتتاح فقد وصل فيهما إلى 63 و65 سفينة.

أسباب الخسارة

يشير مراقبون إلى أن أحد أسباب فشل القناة الجديدة يكمن في عدم الاهتمام بدراسات الجدوى للمشروعات التي كان يتم إنشاؤها في مصر خلال تلك الفترة، وهو ما اعترف به السيسي خلال كلمته الارتجالية في فعاليات منتدى أفريقيا 2018.

ومن ضمن أسباب الخسارة ضخامة المبلغ المقترض بالعملة الأجنبية، 1.4 مليار دولار، وهو ما كان يساوي 15 مليار جنيه مصري تقريباً في وقت ذروة أزمة الاحتياطي الأجنبي، فضلاً عن شهادات استثمار بقيمة 60 مليار جنيه، في حين لم تكن هناك أية مبررات لضغط التنفيذ في عام واحد والاستعانة بشركات أجنبية للإسراع في التنفيذ، حيث تعمل القناة أصلاً بنحو 60% فقط من طاقتها.

 

أرقام مهمة

في 5 أغسطس 2014 أعلن عبد الفتاح السيسي عن “البدء فعلياً في إنشاء مجرى ملاحي جديد لقناة السويس وتعميق المجرى الملاحي الحالي وتنمية محور قناة السويس بالكامل”.

في 15 أغسطس 2014 أعلن رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب أنه تقرر طرح شهادات استثمار باسم شهادة استثمار قناة السويس، بهدف جمع 60 مليار جنيه مصري لتمويل مشروع محور قناة السويس من المصريين فقط، بفائدة سنوية 12% تصرف كل ثلاثة أشهر، زادت بعد ذلك إلى 15%، على أن يسترد أصل المبلغ بعد خمس سنوات.

في 19 أغسطس 2014 أعلن الفريق مهاب مميش، عن فوز “تحالف دار الهندسة” بتنفيذ المشروع.

في 15 سبتمبر 2014 أعلن محافظ البنك المركزي المصري أن حصيلة بيع شهادات استثمار قناة السويس وصلت إلى نحو 61 مليار جنيه مصري، وغلق الاكتتاب.

في 6 أغسطس 2015 تم افتتاح التفريعة بمشاركة عدد من زعماء وملوك العالم ووفود عربية وأجنبية.

ليست التفريعة الأولى

فكرة إنشاء تفريعة جديدة لقناة السويس ليست جديدة، بل تم طرحها عدة مرات دون أن يتم التنفيذ؛ أولاها في نهاية السبعينات حين طرح المهندس حسب الله الكفراوي، وزير الإسكان حينئذ، الفكرة على الرئيس الراحل أنور السادات، لكن المشروع لم يتحقق، ولم يخرج للنور أيضاً في عهد مبارك.

وكانت “تنمية محور قناة السويس” ضمن البرنامج الرئاسي للرئيس المعزول محمد مرسي، وبدأ بالفعل في خطواته التنفيذية، لكن الانقلاب العسكري أجهض كل تلك الإجراءات، وعمد السيسي إلى تنفيذ الجزء المتعلق بالتفريعة دون باقي المشروع.