العدسة – منصور عطية

يبدو أن تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقطع المساعدات عن الدول التي تصوت ضد قراره بشأن القدس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أتت أكلها لكن ليس مع الجميع بل نجت 35 دولة بنفسها من براثن الوقوع بالفخ الأمريكي.

في المقابل صوتت 128 دولة وبأغلبية ساحقة بالموافقة على القرار العربي الإسلامي الذي يرفض أي إجراءات تهدف إلى تغيير الوضع في مدينة القدس.

ولوحظ أن جارتي أمريكا الشمالية كندا والجنوبية المكسيك، آثرتا السلامة وامتنعتا عن التصويت.

وأكد القرار أن “أي إجراءات تهدف إلى تغيير طابع مدينة القدس ملغاة وباطلة، ويدعو إلى تكثيف الجهود الدولية لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم في الشرق الأوسط”.

كما طالب قرار الجمعية العامة جميع الدول بالامتناع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في مدينة القدس، وطالبها أيضًا بالامتثال لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمدينة القدس.

 

10 دول مهددة.. ومصر في المقدمة

“دعهم يصوتون ضدنا، سنوفر الكثير من الأموال، الأمر لا يعنينا”.. بهذه الكلمات وجّه ترامب تهديداته في وجه الدول الرافضة لقراره بشأن اعتبار القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.

وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة “نيكي هايلي” إن الرئيس الأمريكي كلفها “بتقييد أسماء” الدول التي ستصوت على قرار ينتقد اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل أثناء تصويت الجمعية العامة.

فمن بين 128 دولة صوتت ضد إرادة أمريكا، ما هي أبرز الدول المهددة بوقف المساعدات الأمريكية.

تبدو مصر في مقدمة الدول الواقعة تحت طائلة التهديد الأمريكي، حيث تحصل سنويًا على 1.5 مليار دولار منها 200 مليون فقط مساعدات اقتصادية والباقي يذهب لصالح المساعدات العسكرية.

ووفق تقارير إعلامية، فإن ترتيب أعلى 5 دول حصولًا على مساعدات اقتصادية وعسكرية هي:    إسرائيل 3.1 مليار دولار، مصر 1.5 مليار دولار، أفغانستان 1.1 مليار دولار، الأردن 1 مليار دولار، باكستان 933 مليون دولار.

وبينما احتلت إسرائيل الصدارة في المساعدات العسكرية بـ3.1 مليار دولار تلتها مصر بقيمة 1.3 مليار، ويستحوذان بمفردهما على 75% من المساعدات العسكرية الأمريكية البالغة نحو 5.9 مليار دولار لعام 2014.

وتلا مصر في الترتيب كل من: العراق 300 مليون دولار، الأردن 300 مليون دولار، باكستان 280 مليونًا.

أما على صعيد المساعدات الاقتصادية ضمت القائمة دولًا أخرى أفريقية، وجاءت بحسب تقرير أمريكي كالتالي: أفغاستان وتتلقى 650 مليون دولار، الأردن 635 مليونًا و800 ألف دولار، كينيا 632 مليونًا و500 ألف، تنزانيا 534 مليونًا و500 ألف دولار، أوغندا 435 مليونًا و500 ألف، زامبيا 428 مليونًا و525 ألف دولار، ونيجيريا 413 مليونًا و300 ألف دولار.

ووفقًا لهذه المحصلة تضم قائمة الدول العشر الأبرز من حيث خضوعها لتهديد ترامب بقطع المساعدات كلًا من: مصر، الأردن، العراق، أفغاستان، نيجيريا، باكستان، كينيا، تنزانيا، أوغندا، زامبيا.

 

فشل الدولار السياسي

ولعل الدلالة الأولى لهذا الحجم من التصويت الرافض لقرار ترامب تشير إلى فشل أمريكي ذريع في شراء مواقف الدول، خاصة تلك التي تحالفها سواء في المنطقة العربية والشرق الأوسط أو حتى في آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية.

الوضع أشبه الآن بعملية تحد كبيرة لا تخوضها فلسطين أو حتى الدول العربية والإسلامية بل إجماع دولي منقطع النظير، أمام التعنت الأمريكي الإسرائيلي الذي قادهما إلى مخالفة قرارات سابقة لمجلس الأمن والأمم المتحدة بشأن القدس.

هذا الإجماع الدولي، على الرغم من معاكسة الولايات المتحدة له في أوقات سابقة مرارًا وتكرارًا فيما يخص فلسطين، إلا أنه ربما يؤسس لواقع جديد يقوي شوكة الفلسطينيين في أي عملية تفاوض، برعاية وسطاء دوليين بعد الانسحاب الأمريكي الذي مثّله قرار ترامب.

ردود الأفعال الرسمية تجاه التصويت كانت معبرة عن هذا التوجه إلى حد كبير، فالأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط قال: إن التصويت “يكشف مجددًا عن حالة من الإجماع الدولي الكامل تأييداً للحق الفلسطيني، ويبلور حالة العزلة التي وضعت الولايات المتحدة نفسها فيها من دون مبرر مفهوم”.

“المرحلة القادمة ستشهد عملًا عربيًا مكثفًا ومتضافرًا من أجل تثبيت حالة الإجماع الدولي الرافض للقرار الأمريكي والتصدي للتبعات السلبية لقرار ترامب”، بحسب أبو الغيط.

فلسطينيًا، اتفق الفرقاء المتصالحون حديثًا على أن القرار الأممي بمثابة انتصار لفلسطين وقضيتها، فقال المتحدث باسم الرئاسة أن المجتمع الدولي رفض تهديد وابتزاز أمريكا، ورأت حركة حماس القرار “هزيمة لعنجهية ترامب”، وعدّته حركة الجهاد الإسلامي “صفعة على وجه أمريكا”.

في هذا السياق تبرز تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، الذي قال إن أعضاء الأمم المتحدة أظهروا أن “الكرامة والسيادة لا تباع”.

 

هل ينفذ ترامب تهديداته؟

الجميع يعلم أن قرار الأمم المتحدة رغم أهميته لا يلزم أمريكا بأي شيء يجبرها على التراجع عن قرارها بشأن القدس، والدليل المادي أن قرار ترامب نفسه يخالف العديد من القرارات السابقة لمجلس الأمن والأمم المتحدة.

ترامب بدا قبل التصويت عازمًا على توفير المليارات التي تدفعها الولايات المتحدة كمساعدات للدول التي ستصوت ضد بلاده، وعلى الرغم من تأثير تنفيذ هذا التهديد على صورة أمريكا في العالم والهيمنة التي صنعها المال الأمريكي، إلا أن توجهات ترامب منذ قدومه رئيسًا قد لا تتسق مع المنطق على نحو قد يدفعه لتنفيذها بالفعل.

لكن يبدو أن عزم ترامب انقلب إلى ما يمكن أن يوصف بالفتور في أعقاب التصويت، حيث تناقلت وكالات الأنباء بعد بضع ساعات من اتخاذ القرار الأممي تصريحًا على لسان مسؤول أمريكي قال فيه إن ترامب “فوّض فريقه للنظر في جميع الخيارات بعد تصويت الجمعية العامة”.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أدلى بدلوه مبكرًا في أعقاب التصويت، وغرّد عبر تويتر بقوله: “أتوقع أن يسحب ترامب قراره المؤسف بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل دون إبطاء”.

وتبقى الأيام المقبلة مفتوحة على جميع الخيارات، التي قد تتضمن تقليصًا للمساعدات خاصة الاقتصادية منها دون العسكرية، ربما حتى تحتفظ الولايات المتحدة برصيد من الجانب الإنساني الذي سعت لتبنيه على مدار عقود.