العدسة – معتز أشرف

فجأة! دوت هتافات الحرية وأغاني التنديد بالقمع في إستاد القاهرة، على لسان شباب الألتراس خلال مباراة فريق الأهلي أمام مونانا الجابوني في ذهاب دور الـ32 لدوري أبطال إفريقيا، والتي انتهت بفوز الفريق الأحمر برباعية نظيفة، ولكن لم تنته ردود الأفعال عقب المباراة، وتصاعدت بعد اتهام نظام السيسي لشباب الألتراس بالشغب والعنف أثناء المباراة حتى وصلت إلى الاعتقالات التعسفية، وسط انتقاد واسع من قوى المعارضة التي رأت في هتاف الشباب تحديًا جديدًا فيما كشفت ردود المقربين من السيسي صدمة كبيرة لديه وأركان نظامه القمعي .

فتيل المفاجأة!

 بحسب شهود عيان، فإن فتيل المفاجأة، جاء من بعض الجماهير التي رددت هتافات تطالب “بالحرية” عقب المباراة، قبل أن يتطور الأمر إلى اشتباكات مع قوات الأمن التي كانت تأمن المباراة، ليتم إلقاء القبض التعسفي على العشرات من أعضاء رابطة ألتراس أهلاوي، وجرى اقتيادهم إلى النيابة العامة للتحقيق في الواقعة، وربط البعض القبض على خلفية حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة الذي صدر في عام 2015 بحظر روابط مشجعي الفرق الرياضية المصرية المعروفة “بالألتراس” باعتبارها مخالفة للقانون، وبموجب هذا الحكم أصبح جرما رفع اللافتات الضخمة الخاصة بروابط الألتراس، أو ترديد هتافاتهم، أو أداء أي من الأنشطة التي اعتادوا ممارستها خلال المباريات، فيما يربط البعض الاعتقالات بهتاف المطالبة بالحرية المفاجئ للنظام .

وفيما يبدو أنه جاء بعد ضغط، قدمت رابطةألتراس أهلاوي اعتذارًا عن أحداث مباراة مونانا الجابوني، مشيرة إلى أن هناك “تصاعدًا غير مبرر للأحداث التالية للمباراة، واتجهت لطريق لا يريده أحد”، مؤكدة أنه “من غير المعقول بعد 6 سنوات من المطالبة لرجوع الجمهور وعودة جمهور الأهلي لإستاد القاهرة، أن يفتعل الجمهور أزمة، على العكس، فالجمهور أكثر من يريد العودة لمكانه الطبيعي، وليس هناك دليل أكثر من مباريات إفريقيا في العام السابق”، فيما اعتبرت ما حدث بدر”من قلة غير مسؤولة أدى إلى كل هذا اللغط والتصعيد”، بحسب ما قالت، وهو ما يراه مراقبون بأنها رسالة تهدئة من الألتراس لامتصاص الغضب الحكومي .

احتفاء بالعودة

تتحدث كلمات أغنية الألتراس، عن زيف اتهامات الحكومة لهم بالشغب على خلفية مطالبتهم بحقوقهم، وأن النظام “غبي لا يفهم مطالبهم وهي الحرية، “ولذا كان احتفاء المعارضين لنظام السيسي لهدير هتاف الحرية وأغنية الألتراس المنددة بالقمع في إستاد القاهرة كبيرًا على موقعي التواصل الاجتماعي “فيس بوك” و”تويتر”، ووصفه المجلس الثوري المصري بأنه تعبير عن التحدي والحرص على التمسك بالأمل من قبل شباب الألتراس، وتؤكد أن “الثورة حية ولم تمت” مضيفا في خطاب إلى نظام السيسي “وسترون”.

وقال الناشط الحقوقي جمال عيد مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان: “الحرية جاية لا بد” حين يكون هذا غناؤهم، فكيف لا نحب ألتراس أهلاوي، وزملكاوي أيضا؟! حتى مع عدم شغفي بالكرة”، فيما انتقد الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل بيان إدارة النادي الأهلي المناهض لشباب الألتراس قائلا بطريقة ساخرة على حسابه على موقع تويتر: “بيان إدارة النادي الأهلي في كلمتين: نعتذر عن تصرفات غير مسؤولة من بعض الجماهير، وخاصة هتافها “حرية” “حرية”، ونجدد هتافنا المعتمد “بيادة” “بيادة”!

صدمة السيسي

وفي المقابل انتاب كل الرياضيين والإعلاميين المقربين من السيسي صدمة واسعة، دفعتهم إلى المطالبة صراحة بقمع الشباب مجددا، وعدم الثقة فيهم، مع وابل كثيف من السب والقذف، ووصف الإعلامي الرياضي أحمد شوبير شباب الألتراس بأنهم “رءوس فتنة” – وفق تعبيره – حركت جماهير نادي الأهلي لترديد كلمات أغنية «حرية»، وهاجم في برنامجه على «صدى البلد»، مساء الأربعاء، أعضاء رابطة مشجعي الأهلي مشيرا إلى أن حكمًا قضائيًّا بتصنيف رابطات «الألتراس» ضمن الكيانات الإرهابية، وتساءل: «كيف يتأتى لهم إصدار بيانات؟»، وذلك رغم أن الرابطة الرسمية أصدرت بيانا للاعتذار!.

المستشار مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك، كعادته، دخل على الخط سريعا، ولكن بنبرة شرسة قائلا: “ما حدث من ألتراس الأهلي في إستاد القاهرة بالأمس مهزلة وإجرام، ومحدش دخل إلا بمزاج مجلس إدارة الأهلي، اللي كان لازم ينسحب، دا أنا لما جيش بلدي اتشتم في برج العرب قلعت جزمتي في وش من شتم الجيش والشرطة، الألتراس عمرهم ما كانوا ولادنا، دول مجرمين وألتراس على 6 أبريل على الاشتراكيين الثوريين”، فيما أضاف أن شعار الألتراس في مباراة الأهلي مع مونانا الجابوني بالأمس، احتوى على شعار رابعة العدوية لجماعة الإخوان المسلمين، لافتًا لنقله مباراة الزمالك القادمة مع فريق ولايتا ديتشا الإثيوبي لإستاد القاهرة، بدلا من ملعب الجيش بالسويس.

توقعات (العدسة) !

موقعالعدسةتوقع في تقرير تحليلي في 17 فبراير الماضي استمرار التحدي بين الألتراس ونظام السيسي، ونقل عن مراقبين القول بأنه ” رغم حرص القضاء المحسوب على نظام الرئيس المنتهية ولايته عبدالفتاح السيسي على ملاحقة مستمرة لروابط المشجعين، واستخدام القانون في حصار روابط ارتبطت بثورة 25 يناير ارتباطا وثيقا، إلا أن الألتراس يشكل قوة شبابية لا يستهان بها”، حيث أشاروا كذلك إلى أن العلاقة بين الأمن والألتراس شهدت صدامات شديدة على خلفية مشاركتهم في ثورة 25 يناير 2011، وما أعقبها من أحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء في شهري نوفمبر وديسمبر 2011 على الترتيب، ثم جاءت القاصمة في فبراير 2012، حينما وقعت أحداث إستاد بورسعيد، والتي أدت لوفاة 74 من مشجعي، كما لم تشهد الفترة الأولى للظهور الواضح لروابط الألتراس في 2007 علاقة ودية مع الشرطة، حيث دأبت دوائر محسوبة على نظام مبارك ثم الدولة العميقة على تشويه كل مواقفهم، خاصة مع اقتراب قيادات من روابط المشجعين من الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل المرشح الرئاسي الأسبق والمحبوس حاليا، واتهام بعضهم بالتواصل مع قيادات بجماعة الإخوان المسلمين واليسار المصري.

تحدٍّ لن يتوقف !

التحدي بين الخصمين لن يتوقف، وهتاف الحرية لن يتوقف فيما يبدو، وفقا لدراسة بارزة للدكتورة أمل حمادة، بعنوان: “متحدو السلطة”، الألتراس كقوة تعيد تعريف العلاقة بين الشارع والدولة، حيث أكدت الباحثة أن الشارع الثوري  نظر لأعضاء الألتراس على أنهم خط الدفاع الفعال في صراع الشارع مع قوات الأمن، وقد ظهر هذا الدور بداية منذ 28 يناير وما جرى فيه من مواجهات عنيفة في شارع قصر النيل وداخل ميدان التحرير، وبعدها فيما عرف بموقعة الجمل، ثم ما تبع ذلك من اعتداء على أهالي الشهداء والمصابين أمام جلسات محاكمة مبارك في أكاديمية الشرطة، ثم أحداث السفارة الإسرائيلية، ثم الجولة الأخيرة من المواجهات في ميدان التحرير في نوفمبر الماضي، أو ما عرف بمعركة محمد محمود، وهو الذي سبب نَقَمَ السلطة عليهم، مشيرة إلى أن “جماعات الألتراس، بحكم تكوينها وقناعاتها الفلسفية، يمكنها تقديم نوع من الحماية للفئات الأضعف في مواجهاتها مع قوات الأمن، ولكنها غير قادرة على تقديم بدائل بناءة لرسم العلاقات الجديدة بين الدولة والشارع، وبالتالي، قد لا تكون قادرة على التحول إلى قوة سياسية، ولكنها قد تكون مفيدة لقوى سياسية موجودة، أو ستنشأ، تستطيع استيعاب المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشارع، والتعبير عنه بشكل حقيقي”.

تربص الحكومة بالألتراس وثق في دراسة بعنوانالألتراس والسلطة.. صراع الأضداد، نشرتها مجلة الديمقراطية الحكومية في مصر، حيث أكدت الدراسة أن هناك محاولات متكررة من جانب السلطة ومؤسساتها فى مصر للقضاء على حضور مجموعات الألتراس فى المجال العام، أو على الأقل ترويضها وإخضاعها وتطويعها لتتحرك فقط فى المساحة التى تحددها لها السلطة، ومنع أى محاولة للخروج عن هذه المساحة، لأن هذا الخروج قد يشجع أطرافا أخرى على الخروج عن عباءة السلطة، وتحدي وجودها، وأسس شرعيتها فى المجتمع، وهو الأمر الذي لا يمكن أن تسمح السلطة بحدوثه مجددًا، خاصة بعد الخروج الكبير عليها فى الخامس والعشرين من يناير”، فيما وصفت الدراسة الوضع بين “السلطة/الدولة” و”مجموعات الألتراس”، بأنه صراع وجود وصراع حدود.