إيلون ماسك، الملياردير الأكثر نفوذًا في العالم، ليس مجرد رجل أعمال يُدير شركات ضخمة مثل “تسلا” و”سبيس إكس”، بل أصبح لاعبًا رئيسيًا في المشهد السياسي والاقتصادي العالمي. ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، يتكشف يومًا بعد يوم حجم الدعم الذي يقدمه ماسك لإسرائيل، سواء من خلال التحالفات العلنية أو عبر شبكات العلاقات الخفية التي تصب جميعها في خدمة الاحتلال الإسرائيلي. هذا الدعم لم يعد مقتصرًا على تصريحات مؤيدة أو لقاءات دبلوماسية، بل وصل إلى مستوى غير مسبوق من التعاون الاقتصادي والسياسي، مما يثير تساؤلات حول مدى تورطه في تمويل ودعم سياسات إسرائيل التوسعية، بل وحتى المساهمة في الإبادة الجماعية الجارية ضد الفلسطينيين.

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خبرًا حول تقديم شركة “تسلا” عرضًا لتزويد الحكومة الإسرائيلية بسيارات كهربائية لكبار المسؤولين، وهي صفقة تبدو، للوهلة الأولى، مجرد تعاون اقتصادي عادي بين شركة عالمية ودولة تتطلع إلى تحديث أسطول سياراتها.

ما يثير التساؤلات أن الصفقة نفسها مشكوك في وجودها من الأساس. صحيفة The Marker الإسرائيلية أكدت أنه لا يوجد سجل رسمي لأي مناقصة لشراء سيارات “تسلا”، وأن ما يجري ليس سوى محاولة لتحسين صورة ماسك في إسرائيل، بعد الانتقادات التي واجهها مؤخرًا. ومع ذلك، لم يتأخر ماسك في الرد على نتنياهو، بل كتب له على منصة “إكس”: “Much appreciated”، شكر مباشر يعكس طبيعة العلاقة بينهما، علاقة مبنية على المصالح المشتركة والبحث عن النفوذ داخل أمريكا.

نتنياهو بحاجة ماسة لحلفاء أقوياء داخل واشنطن، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة التي يواجهها، سواء بسبب جرائم الحرب في غزة أو الخلافات داخل الإدارة الأمريكية حول طريقة التعامل مع الوضع. في الأشهر الأخيرة، بدأ بعض المسؤولين في البيت الأبيض بالحديث عن إمكانية التوصل إلى صفقة مع حماس. هذا التحول ظهر بوضوح عندما صرّح مبعوث الرهائن الأمريكي آدم بولر بأن حماس أبدت تعاونًا في المفاوضات، بل وصف بعض عناصرها بأنهم “لطيفون”. هذه التصريحات أشعلت غضب الحكومة الإسرائيلية، التي بدأت فورًا حملة للتخلص منه والترويج لإقالته. حتى الآن، لا يوجد إعلان رسمي من البيت الأبيض بشأن مصيره، لكن الضغوط الإسرائيلية مستمرة، في محاولة لإعادة ضبط المشهد السياسي الأمريكي بما يخدم أجندة الاحتلال.

هنا يظهر ماسك بوصفه الورقة التي يمكن أن يستخدمها نتنياهو لتعزيز نفوذ إسرائيل داخل البيت الأبيض. ماسك ليس مجرد ملياردير يملك شركات كبرى، بل أصبح واحدًا من أكثر الشخصيات نفوذًا في أمريكا، وتأثيره يمتد إلى السياسة والإعلام وحتى القرارات الحكومية. نتنياهو يدرك هذه الحقيقة جيدًا، وهو يعرف أن التحالف مع ماسك يعني فتح أبواب جديدة للضغط على واشنطن، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.

لم يكن مفاجئًا أن يحضر ماسك خطاب نتنياهو في الكونغرس الأمريكي، حيث جلس بين كبار الداعمين لإسرائيل، يراقب كيف يتم تمرير السياسات التي تضمن استمرار الدعم الأمريكي للاحتلال. هذه ليست مجرد علاقات سطحية، بل شبكة نفوذ متكاملة تعمل على ضمان المصالح الإسرائيلية على المدى الطويل.

من الناحية الاقتصادية، إسرائيل ليست بحاجة فعلية لسيارات “تسلا”، فهناك العديد من الشركات الأخرى التي تقدم سيارات كهربائية بأسعار أفضل وخدمات أكثر كفاءة داخل السوق الإسرائيلي. إذًا، لماذا تصرّ الحكومة الإسرائيلية على الترويج لهذه الصفقة؟ الإجابة واضحة: الحفاظ على ماسك في صفهم، وضمان استمراره كحليف موثوق داخل أمريكا.

الجانب الأخطر في هذه العلاقة ليس فقط الدعم العلني، بل ما يحدث في الخفاء. إذا كان ماسك على استعداد لإظهار هذا المستوى من الولاء لإسرائيل في العلن، فماذا عن الصفقات غير المعلنة؟ اللوبي الصهيوني في أمريكا لا يدعم أي شخص دون مقابل، ومن الواضح أن ماسك حصل على دعمهم لأنه يخدم مصالحهم. لا أحد يعرف بالضبط كم من الأموال تدفقت عبر قنوات سرية لدعم مشاريع إسرائيلية، سواء في التكنولوجيا أو الصناعات العسكرية أو غيرها، لكن من المؤكد أن العلاقة بين ماسك وإسرائيل تتجاوز ما يتم الإعلان عنه.

في أوروبا، بدأت مبيعات “تسلا” تنهار، حيث سجلت تراجعًا بنسبة 45% في ألمانيا وفرنسا ودول أخرى، ليس فقط بسبب المنافسة، ولكن لأن المستهلكين الأوروبيين بدأوا في معاقبة ماسك بسبب مواقفه السياسية. الاحتجاجات أمام معارض تسلا، وتخريب سياراتها في الشوارع، كل ذلك يشير إلى أن هناك وعيًا متزايدًا حول ضرورة الضغط الاقتصادي على من يدعم الاحتلال. العرب والمسلمون لم يتحركوا بعد بنفس القوة، رغم أن لديهم القدرة على فرض واقع جديد، تمامًا كما فعل الأوروبيون.

الرسالة واضحة: كل من يدعم الاحتلال، سواء كان حكومة أو شركة أو فردًا، يجب أن يدفع الثمن. مقاطعة “تسلا” لم تعد خيارًا، بل أصبحت ضرورة أخلاقية وسياسية. استمرار شراء سيارات “تسلا” يعني تمويل الاحتلال بطريقة غير مباشرة، ودعم رجل لم يعد يخفي انحيازه الكامل لإسرائيل. على الشعوب العربية والإسلامية أن تدرك أن قوتها الاقتصادية يمكن أن تكون سلاحًا في مواجهة الاحتلال، تمامًا كما يفعل الأوروبيون الآن. ما حدث مع ماسك هو نموذج واضح لكيفية استخدام النفوذ المالي والسياسي لخدمة إسرائيل، وإذا لم يُتخذ موقف الآن، فسيكون من المستحيل إيقاف هذا التيار في المستقبل.

المقاطعة لم تعد خيارًا، بل أصبحت واجبًا. استمرار شراء سيارات تسلا يعني عمليًا تمويل الاحتلال الإسرائيلي بطريقة غير مباشرة. إيلون ماسك لم يعد مجرد رجل أعمال، بل أصبح أداة بيد اللوبي الصهيوني، يُستخدم لتعزيز النفوذ الإسرائيلي في أمريكا والعالم. إذا لم يُتخذ موقف الآن، فمتى يكون الوقت المناسب؟ لا يمكن انتظار الأدلة القطعية على التمويل السري، فالتاريخ أثبت أن التحالفات بين القوى الاقتصادية والسياسية لا تعتمد على الشفافية، بل على المصالح المشتركة. المقاطعة ليست مجرد سلوك استهلاكي، بل وسيلة فعالة لممارسة الضغط على الشركات التي تدعم الاحتلال. وكما نجح الأوروبيون في التأثير على تسلا، فإن العرب والمسلمين قادرون أيضًا على توجيه رسالة واضحة لماسك بأن دعمه لإسرائيل لن يكون بلا تكلفة.