نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقاريرًا حول توقيع حكومة المملكة العربية السعودية صفقات بقيمة 9.6 مليون دولار مع شركة العلاقات العامة الأمريكية إيدلمان Edelman على مدار السنوات الأربع الماضية من أجل غسيل سمعتها وتلميع صورتها بعد انتهاكات حقوق الإنسان الوحشية التي تورط فيها النظام تحت قيادة محمد بن سلمان.
في يونيو/حزيران الماضي نشر ريتشارد إيدلمان الرئيس التنفيذي لشركة إيدلمان للعلاقات العامة، والتي تبلغ قيمتها نحو مليار دولار، مذكرة حول رحلته إلى تجمع النخبة في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، كان ذلك بعد أشهر من غزو روسيا لأوكرانيا وبالفعل كان العالم متأهب لحدوث تغيرات في الخريطة الجيوسياسية.
في مذكرته كتب إيدلمان: “لقد غادرت دافوس منبهرًا من شجاعة الأوكرانيين والبولنديين، ومقتنعًا أكثر من أي وقت مضى بالصراع العالمي بين الديمقراطية والاستبداد.”
هذا الخلاف بين الديمقراطية والاستبداد الذي حدده إيدلمان لم يمنع شركته من توقيع عقود بقيمة 9.6 مليون دولار (7.9 مليون جنيه إسترليني) على مدى السنوات الأربع الماضية مع واحدة من أكثر وأبشع الأنظمة الاستبدادية في العالم: المملكة العربية السعودية.
صنفت منظمة فريدوم هاوس المملكة العربية السعودية كواحدة من “أسوأ الدول” في العالم فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات المدنية والسياسية، إذ قال مايكل أبراموفيتز، رئيس فريدوم هاوس، إن الحكومة السعودية “تقيد جميع الحقوق السياسية والحريات المدنية… الاعتقال التعسفي والتعذيب وإعدام المعارضين متفشين فيها بصورة كبيرة… إنها صورة قاتمة جدًا”.
ازدادت الأمور سوءًا في المملكة الخليجية بعد اغتيال جمال خاشقجي، الصحفي السعودي المعارض الذي قُتل وقطعت أوصاله داخل قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018، وهي الجريمة التي خلصت المخابرات الأمريكية إلى أنها حدثت بعد “موافقة” ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مباشرة.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن (داون): “محمد بن سلمان يسيطر على السلطة بصورة مطلقة أكثر من أي ولي عهد أو ملك جاء قبله… أي انتقاد للحكومة وأي انتقاد لمحمد بن سلمان يقابل بقمع شديد”.
ومع ذلك، ورغم هذه الانتهاكات المتصاعدة والتي وثقت جيدًا، لعب بن سلمان على تلميع صورته وتحسينها من خلال ضخ الأموال لشركات العلاقات العامة في كل مكان من أجل تمكينه من العودة إلى الحظيرة الدولية مرة أخرى.
ريتشارد إيدلمان كان واحدًا من أبرز هؤلاء المقاولين الذين ساعدوا ولي العهد السعودي على تلميع صورته أمام الجماهير الأمريكية. منذ مقتل خاشقجي، تلقت شركة العلاقات العامة القوية ما يقرب من 9.6 مليون دولار (7.9 مليون جنيه إسترليني) كرسوم من الوكالات الحكومية والشركات التي يسيطر عليها النظام السعودي، وفقًا لتحليل الغارديان لوثائق وزارة العدل الأمريكية التي أتاحتها وزارة العدل الأمريكية، وبالرغم من ذلك لا يمكن التأكيد على أن هذه هي القيمة الحقيقية للأموال التي تلقتها الشركة من السعودية.
ركز معظم عمل إيدلمان لصالح النظام السعودي على إعادة تأهيل سمعته في الولايات المتحدة، وهو جهد كانت المملكة قد بدأته قبل مقتل خاشقجي على يد عملاء سعوديين.
في فبراير/شباط 2020، سُجلت شركة إيدلمان كوكيل أجنبي يمثل الشركة السعودية للصناعات الأساسية، وهي شركة تصنيع مواد كيميائية مملوكة للأغلبية من قبل الحكومة، للترويج لتجمع “بيزنس 20” للمديرين التنفيذيين، الذي انعقد في ذلك العام في الرياض.
تضمنت الصفقات التي كانت موجهة إلى الجمهور الأمريكي وكان من المتوقع أن يدفع لشركة إيدلمان أكثر من 5.6 مليون دولار (4.6 مليون جنيه إسترليني) إرسال بيانات صحفية منتظمة احتفلت بموضوعات مثل نجاح بن سلمان في “دمج النساء في الأعمال التجارية” و “مضاعفة الجهود لتمكين النساء والشباب”، كما تضمن أحد الإصدارات اقتباسًا من الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، السفيرة السعودية في الولايات المتحدة، التي “أثنت على التزام المملكة العربية السعودية B20 العميق بتمكين المرأة”، بما في ذلك “عملية تطوير سياسية شاملة” وأعربت عن أملها في أن “تظل واحدة من الموروثات الدائمة للرئاسة السعودية”.
بالرغم من ذلك، يواصل النظام السعودي سجن نشطاء حقوق المرأة، وأحيانًا يحكم عليهم بالسجن لعقود لنشرهم تغريدات تنتقد الحكومة، ولأجل تغطية هذه الممارسات بالذات يدفع بن سلمان المليارات من أجل الحفاظ على صورته أمام الغرب.
في وقت لاحق من عام 2020، وافق إيدلمان على تولي مهام الترويج لمشروع نيوم، مدينة جديدة بقيمة 500 مليار دولار (414 مليار جنيه إسترليني) في شمال غرب المملكة العربية السعودية، وتضمن العقد تزويده المشروع بـ “المشورة الاستراتيجية” و “العلاقات الإعلامية” و “تحديد أصحاب المصلحة والمشاركة” وغيرها من الأعمال الترويجية والعلامات التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقع إيدلمان في البداية عقدًا لمدة ثلاثة أشهر؛ ووافقت الشركة بعد ذلك على تمديدين لمواصلة علاقتها مع نيوم حتى يوليو/تموز 2023.
تعد مدينة نيوم من أولويات محمد بن سلمان، الذي يرأس مجلس إدارة المشروع، وحسب إيداعات الوكيل الأجنبي لشركة إيدلمان فإنه بحلول الوقت الذي تكتمل فيه أعمال المشروع، ستكون الشركة قد ربحت أكثر من 3 ملايين دولار من الشركة التي تطور المدينة الجديدة، وهي شركة مملوكة لصندوق الثروة السيادي للبلاد البالغ 620 مليار دولار (514 مليار جنيه إسترليني) ويرأس مجلس إدارته ولي العهد محمد بن سلمان.
في أغسطس/آب، ذكرت مجلة بوليتيكو أن United Entertainment Group، وهي شركة تابعة لشركة إيدلمان الأم، وقعت تعاقدًا سابقًا للمساعدة في الترويج لجولة الجولف السعودية المثيرة للجدلLIV والتي يمولها صندوق الثروة السعودي كذلك.
يقول خبراء ومحللون إن بناء مدينة نيوم “رافقه إجبار السكان الأصليين للمنطقة على النزوح الجماعي وإخلا منازلهم… وكل من يحتج أو يشكك في هذا النهج … يواجه السجن وحتى الموت”.
في أكتوبر/تشرين الأول، بعد أقل من شهرين من توقيع عقد إيدلمان الأخير، حكمت محكمة سعودية على ثلاثة أشخاص من السكان الأصليين للمنطقة التي يُقام عليها مشروع نيوم بالإعدام لرفضهم مغادرة منازلهم لصالح المشروع.
الجدير بالذكر أنه في 31 مايو/أيار 2022، قبل أيام فقط من نشر إيدلمان مذكرته المُشار إليها أعلاه والتي تحذر من الفجوة المتزايدة بين الديمقراطية والاستبداد، وقع عقدًا بقيمة 787500 دولار (652609 جنيهًا إسترلينيًا) لتزويد وزارة الثقافة السعودية بـ “خدمات العلاقات العامة والاتصالات”.
تضمن عمل إيدلمان للوزارة وعدًا بـ “البحث وتحديد ومراقبة المحادثات عبر الإنترنت والتغطية الإعلامية لتحديد المؤيدين والمنتقدين لا سيما في وسائل الإعلام الأمريكية”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا